المشكلات المحتملة عند الطلبة الموهوبين
 
 التواصل مفتاح إقامة العلاقات
قد تكون الكفاءة في العلاقات الاجتماعية أهم العوامل التي تحدد إن كان الأطفال الموهوبون سيصبحون أعضاء ناجحين ومهمين ومساهمين في بناء المجتمع أو لا، ويقوم الوالدان بدور مهم جداً في تنمية هذه العلاقات لدى أبنائهم من خلال القدوة والتفاعل معهم، ويتعلم الأطفال من خلال العلاقات الاجتماعية، كيف يتفاعل الناس بعضهم عن بعض، وماذا يتوقع منهم الآخرون، ماذا يمكن أن يتوقعوا هم من الآخرين؟ كما أنهم يتعلمون أموراً كثيرة حول أنفسهم؛ لذا فإن تنمية التواصل الإيجابي الضروري لتطوير علاقات صحيحة هي من أكبر مسؤوليات الوالدين.
 
الدافعية والحماس وتدني التحصيل
غالبًا ما يتحمس الأطفال الموهوبون للتعلّم وينهمكون بشغف في كثير من الأنشطة والأفكار ويشعرون بفضول كبير تجاه العالم من حولهم. فكيف إذن ينحرف بعضهم نحو أنماط التحصيل المتدنّي؟ وكيف تخبو دافعّيتهم الداخلية؟ وكيف يستطيع أولياء الأمور رعاية الدافعية ليتمكن هؤلاء الأطفال من تطوير اهتماماتهم وقدراتهم؟ وكيف يستطيع الراشدون المهتّمون وقف تدني التحصيل؟ كيف يمكن أن تتحوّل الدافعية إلى مشكلة؟ 
يبدي الأطفال الصغار الموهوبون كثيرًا من الإثارة للعالم الذي يحيط بهم، وقد وصفت إحدى الأمّهات دافعية طفلتها البالغة من العمر سبع سنوات على النحو التالي:
«لن أنسى أبدًا أول يوم ذَهَبَت فيه إلى الروضة.. فقد كانت تشعر بإثارة عالية جدًا لدرجة أنها كانت تهتز، ولم تستطع الانتظار حتّى تدخل من باب المدرسة.. كنت راغبةً جدًا في إرسالها إلى المدرسة؛ لأّنها بكلّ صراحة أتعبتني، كانت زوبعةً من الطاقة لا تتوّقف عن الكلام أو طرح الأسئلة».
عندما ينمو مثل هذا الطفل المتحمّس المحبّ للاستطلاع من مرحلة ما قبل المدرسة إلى مرحلة المراهقة ويصبح شابًا لامعًا، لكنه يفتقر إلى الدافعيّة، فإنّ والديه يصابان بالحيرة والإحباط.. فكيف يحصل هذا التغيير؟
 
 تطوير الانضباط وتعليم الإدارة الذاتية
يريد الآباء أن يضبط أطفالهم ذاتيَّا بالطريقة نفسها التي يريدونهم بها أن يكونوا متمتعين بدافعية ذاتية، يعدّ الضبط جزءًا مهمَّا من التنشئة، فمن خلال معايشة القيود التي يفرضها الوالدان يتعلّم الأطفال تحمّل المسؤولية عن سلوكهم، وأن يعدّلوا أو يطفئوا السلوك غير المقبول، ومثل كل شيء يتعلق بتربية الأطفال، يشمل الانضباط كلاً من النمذجة، وتعليم السلوكات التي نريد من الطفل ممارستها. 
 
يشكو غالبية الآباء من قضايا الضبط، ويتساءلون: كم قاعدة يحتاج الأطفال الأذكياء؟ وما الطريقة المثلي لتعليمهم الضبط الذاتي؟ قال لنا بعض الآباء إنهم يحتاجون إلى وضع عددٍ كبير من القواعد: لأنّ أطفالهم غير منضبطين، ويعتقد آخرون أنّ الأطفال الأذكياء بحاجة إلى قواعد قليلة، أو أّنهم لا يحتاجون إلى أيّ قاعدة، وقد يختلف الوالدان أحيانًا -حتى في العائلة ذاتها التي يوجد فها زوج للأمّ أو زوجة للأب- على كيفيّة ضبط طفلهما، في حين يدّعى بعض أولياء الأمور أنّهم سيكونون والدين صالحين، إذا حاول أحدهم أن يكون صديقًا أو رفيقًا للطفل باستعمال قليل من الضبط، غير أنّ القسم الأكبر من دور الوالدين يتضمّن تعليم الأطفال الضبط.
 
كيف تستطيع أنت بصفتك أبًا أو معلّمًا مهمَّا لطفلك المليء بالحيوية والقوّة مساعدته على تعلّم الضبط الذاتي المناسب؟ 
والحقيقة أنه لا توجد طريقة واحدة تصلح للتعامل مع الأطفال كلّهم بشكل مثمر، في حين هناك مبادئ أساسيّة تمثل أساسًا جيّدًا لتشكيل وتعديل السلوك مما يقود إلى الضبط والثقة بالنفس اللذيْن تريد من طفلك أن يمتلكهما عندما يكبر. 
 
الحدة والكمال والتوتر العصبي
إن من السهل علينا إغفال حقيقة أن الأطفال الموهوبين الذين يملكون كثيراً من نقاط القوة والقدرات، يمرون غالباً بمستويات عالية من التوتر العصبي وقد يحتاجون إلى مساعدة من المتخصصين. فقد يعاني أحد هؤلاء الأطفال، في بعض الحالات المتطرفة، من صداع شديد نتيجة قلقه حول الكمال، أو قد يشعر أحد المراهقين باكتئاب شديد ويفكر في الانتحار بسبب مشكلاته مع الأسرة أو مع الأصدقاء. 
 
وليس من السهل ملاحظة هذه المشكلات بصورة دائمة، لأن كثيراً من الأطفال والمراهقين الموهوبين ماهرون في عمليات التمويه أو التفكير العقلاني أو التقليل من حدة المشاعر والأحاسيس، فهم قد يخففون قلقهم أو خيبة أملهم عن الآخرين، أو يموهون قدراتهم العقلية لكي يتخرطوا تماماً في مجموعة أقرانهم، حتى لو كان معنى ذلك ألا يكونوا صادقين مع أنفسهم، وتكون نتيجة ذلك أن يجد الراشدون الذين يعيشون معهم صعوبة في مساعدة هؤلاء الأطفال في التغلب على الضغط الذي يواجهونه. 
 
لماذا يخفي الأطفال الموهوبين الضغوط التي يحسون بها؟ بما أن هؤلاء الأطفال قد تعودوا على تعلم الأشياء بسرعة واستقلالية، فإنهم سرعان ما يعتقدون أنه يجب عليهم النجاح في حل مشكلاتهم كلها، لذا فإنهم يترددون عادة في طلب المساعدة، خشية أن يفقدوا مكانتهم ووضعهم كأطفال "لامعين وأكفاء" إذا طلبوا المساعدة من أحد. 
 
لكن الأطفال الموهوبين كما هي الحال مع الأطفال جميعاً، يجب أن يتعلموا إدارة الضغوطات التي يتعرضون لها بأنفسهم، فكل واحد منا يحتاج إلى المرونة وإلى طريقة ينظم بها نفسه للتغلب على المشكلات والصعوبات في الوقت الذي تحدث فيه، فالحياة تتضمن بعض الشدائد التي تنتج من ضرورة التعامل مع الحوادث التي تتطلب منا تغيير أسلوبنا في التعامل مع الأمور، فنحن -مثلاً- نصاب بخيبة الأمل إذا حدث خلل ما في علاقتنا مع الآخرين، ونحن نكتسب مرونة التكيف إذا ما طوّرنا طرقاً لضبط ردود أفعالنا تجاه الضغط، وإذا ما غيّرنا بعض أنماط تفكيرنا. فالأشخاص المرنون يمرون بتوترات ولكنهم يتعلمون طرقًاً لمنع القلق والشكوك من السيطرة عليهم، وقد يكون عقل الطفل الموهوب أسوأ عدو يخلق له التوتر، ولكنه قد يكون في الوقت نفسه أكبر حلفائه لإدارة هذه التوترات.
 
يتعرف الأطفال الموهوبون على أنواع مختلفة من الضغط أكثر مما يتعرف له الأطفال الآخرون، وهم يحسون بهذه الضغوطات بشكل أقوى مما يفعل الطفل العادي، لكن نمط هذه الفروق أمر في غاية التعقيد، فالأطفال الموهوبون -على وجه العموم- يتمتعون بتقدير أعلى لذواتهم، مما يشير إلى أنهم راضون عن أنفسهم وعن مواقفهم.  
 
 المثالية، التعاسة، والاكتئاب
هل الأطفال الموهوبون عرضة للاكتئاب أكثر من غيرهم؟ هل من المحتمل جدًا أن يكونوا تعساء؟ وأن يحاولوا الانتحار؟ ما الذي يمكن أن يجعل طفلاً موهوباً بهذه التعاسة والقنوط بحيث أنه لا يريد الحياة؟ يتعرض الأطفال الموهوبون -أحيانًا- لضغوطات تجعلهم معرّضين لخطر التعاسة والاكتئاب، لكن غالبية الأطفال الموهوبين، لحسن الحظ، لديهم من المرونة ما يمكنهم من التغلب على خيبة الأمل والضغوطات التي تعترض طريقهم. ومع ذلك، فقد تمر على بعضهم أوقات يكونون فيها تعساء ومكتئبين بشكل كبير، وهؤلاء الأطفال -غالباً- ما يشعرون بالإحباط بسبب مثاليتهم ورؤيتهم لما يجب أن تكون عليه الأشياء.
 
هناك خطوات محددة يستطيع الوالدان عملها للتقليل من إمكانية اكتئاب أطفالهم، أو على الأقل للتقليل من شدة الاكتئاب، ويمكن أن يتحول الاكتئاب -أحيانًا- إلى شيء إيجابي بحيث يصبح وقودًا لدافعية الفرد نحو المباشرة بعمل ذي معنى، أو لتعزيز تواضعه ورؤيته للمواقف الخاطئة على حقيقتها، وهذا يعتمد على مقدرة الطفل على تعلم المرونة وإدارة الإتقان واكتساب مهارات الإدارة الضغوط. إن الأطفال الموهوبين بدون مهارات التكّيف هذه، يكونون أكثر عرضة لقلق والاكتئاب ليست موضوعات ممتعة، ولكن فهمها ضروري لتزويد الأطفال الموهوبين بالإرشاد المناسب.
 
 
 المعارف والأصدقاء
يريد كل طفل -موهوب أو غير موهوب- أن يشعر بأنه متصل بالآخرين، فالناس -عادة- يشعرون بارتباطهم بالإنسانية من خلال التفاعل مع الأصدقاء والعائلة. ونحن نتعلم من الآخرين كيف يفكرون أو كيف يقومون بعمل الأشياء، ونقارن إدراكنا للكون بإدراكهم، ونعرف إن كان الآخرون يعطون لنا قيمة أو أننا لا قيمة لنا، ولكن ما العلاقة بين الأطفال الموهوبين والأطفال الآخرين؟ هل هم غير صبورين؟ هل  هم نزاعون إلى السيطرة؟ أم انعزاليون؟
يقول بعض آباء الأطفال الموهوبين: «لا يريد اللعب مع الأطفال الآخرين في صفِّه، ويفضل قضاء الوقت في الحديث مع الكبار! أريد أن يكون له أصدقاء من عمره نفسه».
 
ربما يفكر الآباء والمعلمون في أن «على الطفل أن يتعلم كيف ينسجم مع الأطفال الآخرين، ويحتاج إلى أن يكون محبوباً من الآخرين إن أراد أن يكون ناجحاً في هذا العالم، «ومع ذلك، عندما يكبر الأطفال، لا يعود ضغط الأقران شيئاً مفيداً، ففي المدرسة المتوسطة تتقلب الاهتمامات، فبدلاً من القول «أتمنى أن يكون مثل غيره من العمر نفسه» إلى القول «أتمنى ألا يكون مثل غيره من العمر نفسه». ويشكو الآباء المراهقون من أن أطفالهم تواقون إلى الاندماج مع الآخرين، فيقولون مثلاً: «لقد كان ابني طالبًا جيدًا، لكن كل ما يفكر فيه الآن هو حصوله على ملابس مناسبة حتى يبدو مثل غيره من الأولاد»، أو «هل يستطيع مقاومة ضغط الأقران لتجربة المخدرات أو السلوكات الأخرى الخطرة؟».
 
العلاقات العائلية
يمكن أن تتسم العلاقات بين أفراد العائلات التي تتضمّن أطفالاً موهوبين بالشدة والحدة، وقد تسبّب القلق أحيانًا، وهناك بعض المسائل المشتركة تتعلق بالأطفال الموهوبين عندما يكون لهم إخوة وأخوات أشقاء، أو عندما يكونون أطفالاً وحيدين. وتؤثّر التفاعلات داخل العائلة في الطريقة التي يتعامل بها الفرد، أو يتواصل مع الآخرين عندما يكون بالغًا، كما تؤثر أساليب التربية التي يحملها الشخص من عائلته الأصلية في طريقة التنشئة في عائلته الجديدة، حيث تتنوّع هذه الأساليب بناءً على ما إذا كان هذا الشخص البالغ من صغره هو الطفل الوحيد للعائلة أو لا، كذلك قد تعكس أساليب التنشئة المتبعة الطريقة التي يتعامل بها الطفل في علاقته مع العائلة، ويمكن أن تبرز أثناء مناقشة هذه العلاقات مسائل خاصّة بالأطفال الموهوبين، سواء كان الواحد منهم الطفل الوحيد للعائلة أو له إخوة وأخوات أشقّاء.
 
 
القيم والتقاليد والتفرد
يصرف الأطفال الموهوبون -أحيانًا- بطرق طائشة، وغير لائقة، وغير مهذبة، فمن الممكن أن يسألوا أسئلة مثل: «لماذا أنت أصلع؟»، أو «كم عمرك؟»، أو «كم وزنك؟» حيث إن هذا النوع من الأسئلة لا يعد مهذبًا في مجتمع اليوم، ولا يتورع بعض الأطفال الموهوبين عن تصحيح معلمهم إذا اعتقدوا أنه مخطئ، فهم قد يقولون مثلاً: "أنت مخطئ، كولومبس لم يكتشف أمريكا، في الحقيقة إن الفايكنغ هم من اكتشفوا أمريكا، وقد كان ذلك قبل عام 1492 بسنوات طويلة".
 
يحدث بعض السلوك التساؤلي؛ لأنّ الأطفال الموهوبين فضوليون، لكنّ خبرتهم تقيدهم، فهم لم يعيشوا فترة كافية كي يدركوا أن الأسئلة الشخصية عن العمر والمظهر غير مهذبة، كما أنهم لم يتعلموا العادات الاجتماعية بعد، وحتى عندما نشرح لهم تلك العادات، فقد يعتقدون أن القوانين "غبية"، ولا تبدو بعض الأعراف الاجتماعية؛ مثل: ارتداء ملابس رسمية لبعض المناسبات، وارتداء ملابس عادية لمناسبات أخرى منطقية بالنسبة لهم، وقد يقع الأطفال الموهوبون في مشكلات بسبب حضورهم الذهني السريع، ومنطقهم، وقدرتهم على عمل الأشياء بطرق عدة، وهم يتصرفون أحياناً بطرق غير تقليدية، وغربية ومخالفة للعرف، وينتهك بعضهم القوانين ببساطة تعبيرًا عن استقلالية ثائرة على التقاليد. وبالنسبة لهم فإن إخبارهم الأب أو المعلم بأنه مخطئ يعد كسرًا للتقاليد، حيث يقتضي العرف أن الكبار يعرفون أكثر من الأطفال، ولكن بما أن المعلومات الخطأ تسبب للأطفال الموهوبين عدم الارتياح وتزعجهم من أعماقهم، فإنهم يشعرون بأنه يجب أن يعلقوا عليها؛ كي يقللوا من توترهم نتيجة هذا الموقف.
 
 
 
 
 
المصدر:
 

 

أخر تحديث : الخميس - 08/08/1438
6870عدد المشاهدات