التطور التاريخي لحركة تربية الموهوبين

 

التطور التاريخي لحركة تربية الموهوبين

   يظهر من خلال دراسة الثقافات المختلفة، أن الاهتمام بالأفراد الموهوبين، قديم قدم الحضارات، إذ كان يشار إلى الإنجازات التي تثمنها الحضارة، فمنهم من اهتم بفن الحضارة، أو في مجال العلوم كالفلك والرياضيات والطب، أو فن الرسم و الشعر. إلا أن الاهتمام بتربية الموهوبين حركة تربوية تعود جذورها إلى مطلع القرن العشرين، وقد ترعرعت في السبعينيات، والثمانينيات حتى شغلت الباحثين، مما ساهم في التوصل إلى الكثير من النظريات والبرامج المدعمة بالأبحاث والدراسات.

 

   وجاءت فكرة البرامج الخاصة بتربية الموهوبين  كأحد أشكال خدمات التربية الخاصة التعلم، انطلاقاً من فلسفة أن الموهوبين كنز من كنوز الأمة لا بد من استثماره، من خلال إيجاد برامج تسهم في تنمية قدراتهم العقلية، ومواهبهم بهدف إعدادهم للمساهمة في بناء الأمة وتقدمها.

 

   ففي بداية القرن العشرين، بدأ الاهتمام العلمي بتربية الموهوبين عن طريق برامج التسريع ضمن البرامج المدرسية العادية، وذلك بترفيع الطلبة إلى صفوف أعلى من الصفوف التي يكون فيها أقرانهم من متوسطي الذكاء باستخدام مقياس ستانفورد -  بينيه. وخلال فترة العشرينيات من القرن الماضي بدأ الاهتمام ببرامج الإثراء والتعليم الخاص للموهوبين في الصفوف العادية أو الخاصة. عن طريق تزويدهم بمشروعات تثري الموضوعات الدراسية التي  يتعلمونها.

 

   لقد ظهر العديد من العلماء الذين أسسوا بدايات الاهتمام بتربية الموهوبين في القرن التاسع عشر، من خلال إجراء الدراسات العلمية والعملية للموهوبين، والتي كانت تهدف إلى قياس القدرات العقلية وارتباطها مع العوامل الأخرى المشكلة لها, إلى جانب دراسة الجوانب النفسية، وأرسوا دراسات العمر العقلي التي تتلخص في ثلاث فترات، تبدأ بالعالم جالتون وتصل إلى تيرمان.

  • - الفترة الأولى:        أثر التجارب البريطانية (جالتون، كاتل، بيرسون، سبيرمان)
  • - الفترة الثانية:        الأثر التحليلي الفرنسي (بينيه، ستيرن، جودارد)
  • - الفترة الثالثة:        أثر علماء النفس والمربين الأمريكيين (هول، تيرمان)


 

أولاً: التأثير البريطاني:

أ.      جالتون (1822-1911)

  • - أنشأ أول مختبر للأنثروبولوجيا في عام (1884)
  • - كتب أول كتاب في الوراثة والذكاء عام (1860)

ب.     جيمس كاتل (1860-1947)

  • - أمريكي الأصل، أول طالب أمريكي يحصل على درجة الدكتوراة في علم النفس
  • - أول من استخدم مصطلح العمر العقلي
  • - أول من استخدم الدراسات الارتباطية

ج.     بيرسون (1857-1936)

  • - طوّر معامل الارتباط الخطي، والارتباط المتعدّد، والارتباط الجزئي

د.      سبيرمان (1863-1945)

  • - درس الاختبارات الذكائية من زاوية إحصائية
  • - دعّم نظرية الذكاء أو نظرية العاملين

 

ثانياً: التأثير الفرنسي:

أ.      بينيه (1857-1911)

  • - ابتكر أول اختبار ذكاء يستخدم مفهوم العمر العقلي
  • - اهتم بدراسة الفروق الفردية في القدرات العقلية
  • - ركّز على الحاجة لطرائق البحث الكمية والنوعية

ب.     ستيرن (1871-1938) (عالم نفس ألماني)

  • - قدّم مفهومه للنسبة العقلية عام (1912)

ج.     جودارد (1871 – 1938) (عالم نفس أمريكي)

  • - اهتم بعلم نفس الطفولة
  • - راجع مقياس (بينيه وسايمون) في عام 1908، وقدّمه للبيئة الأمريكية ما بين 1908-1916

 

ثالثاً: التأثير الأمريكي

أ.      ستانلي هول (1844-1924)

  • - أسس أول مختبر نفسي في الولايات المتحدة عام (1883) في جامعة جون هوبكنز
  • - أول طالب يحصل على الدكتوراة من جامعة هارفرد
  • - أول رئيس للجمعية النفسية الأمريكية، أسس أربع مجلات نفسية

ب.     تيرمان (1877-1956)

  • - ركزت أبحاثه على دراسة العبقرية
  • - قام بأول دراسة طولية في التاريخ عن الموهوبين شملت (1528) طالباً

 

رابعاً: وبعد تيرمان, نشطت حركة تربية الموهوبين في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك نتيجة للحرب العالمية الثانية والحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، وسباق غزو الفضاء، وللرغبة في حماية الموهوبين والأذكياء من الانحراف, معتمدين على رؤية التربويين بأن مستقبل أمريكا وتقدمها يكمن في الاهتمام بالأطفال الموهوبين؛ لخلق جيل من القادة قادر على تحقيق تقدم الأمة في شتى الميادين.

 

خامساً:

وقد تخلل محاولات البداية خلط واختلاف في:

  • - طرق التعرف  والأختيار.
  • - نوعية البرامج المقدمة للموهوبين ومحتواها.
  • - تحديد مستوى المرحلة العمرية والدراسة المستهدفة من الخدمة.
  • - تحديد نوعية الموهبة.
  • - الاهتمام بمناهج الموهوبين، وأنواع برامج الموهوبين، وطرق التدريس الخاصة، وإرشاد الموهوبين.
  • - التعمق في دراسات الذكاء والدماغ والإبداع.

 

وبناء عليه  ظهر في الولايات المتحدة  حاجة ملّحة لاعتماد تعريف تربوي وطني شامل وموحد متعارف عليه عالمياً لفئة الموهوبين، الذين ستشملهم  برامج التربية الخاصة في الدولة. وبادرت الولايات المتحدة إلى إيجاد أول تعريف للموهوبين من خلال مكتب التربية الأمريكي عام 1972، تلاه تعريف جوزيف رينزولي (Renzulli) عام 1976 من الولايات المتحدة الأمريكية أيضا.

 

سادساً: تَطوَّر مفهوم الموهبة من اقتصاره على استخدام اختبارات الذكاء والتحصيل إلى:

  • - استخدام اختبارات تقيس مجالات ومواهب متنوعة إضافة إلى اختبارات الذكاء والتحصيل
  • - أصبحت طرق التعرف والاختبار أكثر شمولية وارتباطاً بالتعريف.
  • - زيادة نسبة المشمولين بالخدمات والبرامج الخاصة بالموهوبين، وقد تطورت النسبة من 1-2% إلى 15-20% من الأطفال،  حيث يتم إلحاقهم ببرامج الموهوبين.
  • - التوجه نحو ضرورة تقديم خدمات وبرامج تربوية لأكبر عدد ممكن من الموهوبين، سواء ضمن برنامج المدرسة أو خارجها، ممن يظهرون استعداداً عالياً للأداء والإنجاز، وتكشف عنهم المعايير الوطنية أو المحلية الخاصة المتبعة في البرنامج.

 

سابعاً: من الرواد في مجال تربية الموهوبين في القرن الماضي تورانس، ورينزولي، وكلارك، وستيرنبيرغ، وكابلن، وفلدهوزن، وستانلي وبمبو، وجاردنر، وشلختر، وميكر، وفريمان، وغيرهم العديد.

 

ثامناً: تبع الولايات المتحدة الأمريكية الكثير من الدول في الاهتمام ببرامج الموهوبين مثل: كندا، واستراليا والوطن العربي، وتايوان، وجنوب أفريقيا، وتركيا، وغيرها. وتنوعت البرامج في الدولة الواحدة وبين الدول، فمنها ما ركّز على المواهب الخاصة مثل الموسيقى والأداء الحركي والرياضة مثل دول أوروبا الشرقية وروسيا. ومنها ما ركز على جانب أكاديمي خاص مثل برنامج النبوغ المبكر في الرياضيات، وبرامج الرياضيات والفيزياء، ومنها أكاديمية متنوعة، وتطورت البرامج  مابين برامج أكاديمية شاملة  وبرامج أكثر خصوصية.

 

تاسعاً: تطور الاهتمام في التقويم الخاص ببرامج الموهوبين، وبرامج إعداد العاملين مع الموهوبين، وتبنّت الجامعات مجال التخصص بالموهوبين في مستوى الدراسات العليا كبرنامج جامعة كناتكت، وجامعة جورجيا أثينز، وجامعة تكساسA&M والعديد من الجامعات الأمريكية والعالمية. وهناك برنامج متخصص للدراسات العليا في تربية الموهوبين في جامعة الخليج العربي وجامعة البلقاء التطبيقية الأردنية.

 

ومن الجدير بالذكر أن أغلب برامج تربية الموهوبين تندرج ضمن مجموعتين رئيسيتين:

  1. - برامج التسريع
  2. - برامج الإثراء

      

  وتأخذ نماذج متعددة حسب تنوع المدارس الفكرية في هذا المجال وتعددها، ومنها: نموذج رينزولي، وشلختر، وترفنجر، وكابلن، وستانلي وبمبو، وبتس، وغيرها.

 

   وأخيراً، فإن التربويين في عصرنا هذا- عصر التكنولوجيا والاتصالات والذكاء الصناعي- سيجدون أنفسهم ملزمين بضرورة  توجيه أولوياتهم في مجال البرامج التربوية بشكل يضمن تلبية حاجات الموهوبين من الأطفال والشباب.

أخر تحديث : الإثنين - 08/08/1434
5579عدد المشاهدات