حل المشكلات
 
تركز نظريات الإبداع المعرفية غالبًا على عملية حل المشكلة. ويمكن تعريف المشكلة بأنها موقف يتميز بوجود هدف وعقبة تحول دون تحقيق هذا الهدف. يحتاج الشخص إلى شيء ما، أو يريد الحصول عليه (هدف)، لكن عليه أولاً أن يتغلب على العقبة. وهناك، بالطبع، أنواع مختلفة من المشكلات. لقد عرفنا التفكير التباعدي والتفكير التقاربي سابقًا، وقد يكون من السهل المقارنة بينهما عندما نفكر في نوع المشكلات التي يستوجبها كل منهما. فالمشكلات مفتوحة النهاية تسمح باستعمال التفكير التباعدي، بينما تتطلب المشكلات مغلقة النهاية استعمال التفكير التقاربي. ويمكن التفريق بالطريقة ذاتها بين المشكلات المحددة جيدًا والمشكلات غير المحددة جيدًا. وقد تمثل المشكلات نوعًا من المعضلة، التي هي في نهاية المطاف نوع من المشكلات. فإذا كنت يومًا تقف على " قرني معضلة" (كما في العبارة الشائعة القديمة) فإنك تعرف بلا شك أن لديك خيارين اثنين (ومن هنا جاء المقطع di في أول الكلمة dilemma وهو يعني اثنين)، لا يحل أي منهما المشكلة بشكل كامل. فعندما تختار أحد الخيارين - أيا كان ذلك الخيار- فإنك ستفقد ما يقدمه لك الخيار الآخر. وقد وضع "ويكفيلد" (Wakefield, 1992) وكثيرون غيره جهدًا واضحًا في تصنيف الأنواع المختلفة من المشكلات.‬‬
 
لا يؤمن الناس جميعًا بأن الإبداع نوع من أنواع حل المشكلة. فقد تبنّى بعض الأشخاص وجهة نظر معاكسة مقترحين أن حل المشكلة هو أحد أنواع الإبداع. وبناء على هذا المنظور، توجد أفعال إبداعية وإنجازات خلاقة ليست مجرد محاولات لحل المشكلة. والقضية ليست محسومة تمامًا، على أية حال، ويعتمد أي رأي فيها على تعريف "المشكلة". فنحن نعرف، مثلاً، أن الفنانين لا يحلّون مشكلات، ولكنهم يعبّرون عن أنفسهم. ومع ذلك فإن الفنان يحاول أحيانًا إيجاد أفضل طريقة للتعبير عن نفسه، مما يوحي بأن لديه مشكلة. كما يمكن أن يصارع مسألة عانى منها سابقًا. وقد أشار "سيكزنتميهالي" إلى ذلك بمصطلح التنفيس لتذكر الخبرات المكبوتة، وقال إن الجهود الإبداعية هي غالبًا جهود تنفيسية، بمعنى أن الإنسان، عندما ينشغل في الجهد الإبداعي، يتخلص من التوتر.‬‬‬‬
 
ويعتمد كثير من هذه الأمور على كيفية تعريفنا للمشكلة. فقد ذكر "رنكو" (Runco, 1994) ما يلي:
 
ليس الإبداع مجرد حل للمشكلات. صحيح أن التفكير الإبداعي يمكن أن يساعدنا في حل المشكلات (وتحديدها والعثور عليها)، لكنه يحتوي على أكثر من الحل، فالفن الإبداعي (وهو نوع من الحشو والتكرار)، تعبير عن الذات وهو نشاط استكشافي وجمالي أكثر من كونه حلاً لمشكلة ما. ومع ذلك فإن التمييز بين الإبداع وحل المشكلة يعتمد على تعريف المشكلة. فإذا عرَّفنا المشكلة بأنها عقبة بين الإنسان وهدفه، فإن معظم الأنشطة التي يقوم بها الفنانون هي من قبيل حل المشكلة. فقد يحاول الفنانون حل مشكلة تحديد الطريقة المناسبة للتعبير عن فكرتهم أو تحسين أسلوبهم. ولن يرى أي شخص ذلك على أنه مشكلة، خاصة أنه النشاط المفضل عند الفنان وقد يكون مبتسمًا أو يشعر بسعادة غامرة وهو يمارس ذلك الفن. وقد لا يبدو ذلك كجهد أيضًا؛ فقد لا يشعر الفنان بوجود أي مشكلة مهما كانت. هذه حالة مناقضة لكن "جيلفورد" اقترح رأيًا مختلفًا تمامًا (1965): "لقد توصلت إلى نتيجة مفادها أنه كلما وجدت مشكلة حقيقية مارس من يحاول حلها سلوكًا فريدًا، وبالتالي كان هناك قدر من الإبداع. وبناء على ذلك، أقول إن كل حل للمشكلات هو إبداع، وأترك السؤال مفتوحًا لتقرير فيما إذا كان كل التفكير الإبداعي حلاً للمشكلات".
 
وربما كان من الأفضل أن نقبل الرأي الذي يفيد بأن الإبداع ليس شرطًا لأنواع حل المشكلات كافة، وأن الإنجازات الإبداعية ليست دائمًا حلولاً للمشكلات. ومع ذلك، فإن العمل على حل المشكلة يسهم في فهممنا لبعض الإنجازات الإبداعية. ويكون ذلك صحيحًا على وجه الخصوص إذا علمنا أن بإمكاننا تقسيم المشكلات إلى مشكلات محددة وأخرى غير محددة، وأن النوع الثاني هو الأكثر انتشارًا في الحياة الواقعية. وهذا يعني ببساطة أن مشكلات البيئة الطبيعية تكون عادة غامضة، وهي بهذا المعنى تختلف عن المشكلات التي نواجهها في المدرسة أو في الاختبارات، مثلاً، فالاختبارات تقدم المشكلة بطريقة واضحة تمامًا حتى تضمن أن يركز المفحوص على المعلومات الصحيحة. لكن المشكلات في البيئة الطبيعية تحتاج إلى تحديد بطريقة علمية. والنظريات التي تهتم بعمليتي التحديد والتعريف هي نظريات إيجاد المشكلة. وسنرى بعد قليل أنه يمكن فصل عملية إيجاد المشكلة عن عملية الحل، ولكن نوعية الحلول تعتمد أحيانًا على نوع المشكلة.
 
 
 
 
 
 
المصدر:
 
أخر تحديث : الأربعاء - 07/08/1438
758عدد المشاهدات