تهتم نظريات معرفية إبداعية كثيرة بالعمليات الترابطية، وتركز على كيفية توليد الأفكار وتجميعها معًا، وإذا نظرت إلى الوراء قليلاً في تاريخ علم النفس، فإنك ستجد أن النظرة الترابطية تعود إلى مئات السنين في أعمال "جون لوك، و"الكساندر باين" و"دافيد هيوم" وغيرهم. ويوصف هؤلاء المنظرون عادة بأنهم فلاسفة ولم يكونوا علماء بالتأكيد. فقد طرحوا فرضيات لكنهم لم يختبروها بالمعنى العلمي الحديث. لكن الذي أدخل النظرة الارتباطية إلى علم النفس الحديث هو "ميدنك" (1962 Mednick,) الذي اقترح "النظرية الارتباطية للعملية الإبداعية" (the associative theory of the creative process) وقدّم اختبارات تجريبية عدة لفحصها. وربما كانت إحدى أهم نتائجه أن الأفكار الأصيلة تميل لأن تكون بعيدة عن الواقع. فأول شيء نفكر فيه لا يكون أصيلاً في العادة؛ بل إن الأفكار الأصيلة تظهر عادة بعد استنفاد الأفكار شديدة الوضوح.
ويتضمن أحد الأساليب التجريبية البسيطة لفحص الترابطات البعيدة والأنماط التصورية - وهو أسلوب قد ترغب في تجريبه بنفسك- احتساب استجابات المفحوص على مهمة مفتوحة النهاية (سؤال في أحد اختبارات التفكير التباعدي مثلاً)، وتحديد نقطة الوسط في هذه الاستجابات. فإذا أعطى المفحوص 20 فكرة في إجابته عن السؤال "اكتب كل الأشياء التي تعتقد أنها مربعة الشكل"، فإن بإمكانك تقسيمها إلى مجموعتين من 10 أفكار لكل منهما وتقارن بين المجموعتين من حيث عدد الأفكار الأصيلة والمرونة الفكرية في كل منهما.
تشير نتائج دراسات ومشروعات كثيرة استعملت هذه الأسلوب إلى أن الأفكار الأصيلة تأتي في نهاية مجموعة الاستجابات، وأن الأفكار لا تعود مرنة ومتنوعة في النصف الثاني مقارنة مع النصف الأول.
يؤكد هذا الخط البحثي، إذن، أنه يمكن عدّ الأفكار بطريقة موثوقة وموضوعية، ويمكن استعمال الأفكار على كيفية توليد الحلول للمشكلات. ويوحي توارد الأفكار الأصيلة في نهاية السلسلة الترابطية بأن علينا ألا نتسرع عندما تواجهنا مشكلة حتى نضمن الوصول إلى هذه الأفكار البعيدة. وذكر "ميدنك" (1962) أن الأفراد المبدعين يتفوقون في التوصل إلى الأفكار البعيدة. واستعمل لقياس التفكير الإبداعي اختبار الترابطات البعيدة. إن نظرية "ميدنك" في الترابطات البعيدة تستحق الثناء لأنها توفر تنبؤات قابلة للفحص عن المعرفة الإبداعية.
المصدر: