يكاد يكون تعريف الإبداع موحداً عند معظم الباحثين في مجال التربية على مر الأزمان, فهو مزيج من القّدرات والاستعدادات والخصائص الشخصية التي إذا وجدت مناسبة يمكن أن ترقى بالعمليات العقلية لتؤدي إلى نتاجات أصيلة ومفيدة. يرى تورانس (Torrance) أن "الإبداع عملية تحسس للمشكلات والوعي بمواطن الضعف والثغرات وعدم الانسجام والنقص في المعلومات والبحث عن حلول والتنبؤ بها، وصياغة فرضيات جديدة، واختبار الفرضيات وإعادة صياغتها أو تعديلها من أجل التوصل إلى حلول أو ارتباطات جديدة باستخدام المعطيات المتوافرة ونقل النتائج للآخرين".
وكما للأشياء من حولنا مقامات فإن للإبداع أيضا مقامه الخاص لدى الباحثين مثل ستيرنبرغ ولو بارت, فلقد خرج كلا من الباحثين (Sternberg&Lubart,1991,1995) بنظرية الإبداع الاستثمارية للأفكار,حيث تشرح الإبداع بصورة اقتصادية وتعتمد على مدى رغبة الأشخاص المبدعين وقدرتهم على الشراء بسعر منخفض والبيع بسعر عالي بهدف الربح، ولتحقيق هذه الربحية على المبدع أن ينهل من ست موارد هامة وهي: القدرات التأملية، والمعرفة، وطريقة التفكير، والشخصية، والتحفيز، والبيئة والتي تعتبر من مقومات الفكر الاقتصادي.
قال الحائز على جائزة نوبل في الأدب وينستون تشرشل, رئيس وزراء بريطانيا لعدة مرات "مما لاشك فيه أن القيم العظيمة تنطلق من عائلة عظيمة، بل إن أعظم الصفات الإنسانية التي اّبتكرت, استمدت قوتها وثباتها من المنزل" ليصبح المنزل بما فيه العائلة من العوامل المؤثرة في تألق الإبداع, لما تقدمه الأسرة لأطفالها من التنشئة مستمدة من أسس وثوابت قوية, وضمن مناخ تحفيزي يعتمد على التفكير والتشجيع والثقة والقدرة على اتخاذ القرار وتقبل الأفكار، وهذا يعتمد بشكل مباشر على ثقافة الوالدين والظروف العامة للأسرة، وفيما يلي بعض الإرشادات التي تعزز البيئة الأسرية الداعمة للإبداع:
تشجيع الفروق الفردية في الميول والقدرات لدى الأطفال والعمل على تدعميها.
التعرف على مجالات الإبداع لدى الطفل، وتدعيم اتجاهات إيجابية لديهم نحو مزيد من الإبداع.
تجنب النقد والسخرية لأوجه القصور، لأن ذلك يؤثر سلباً على التفكير الإبداعي.
تشجيع الأطفال على اتخاذ القرارات المستقلة, و تدريبهم على حرية الاختيار.
الابتعاد عن القسوة واستخدام أساليب الضغط والتهديد والتوبيخ والعقاب البدني.
عدم التفرقة في المعاملة بين الأبناء.
إن التحاق الطفل المبدع بالمدرسة لا يعني انتهاء دور الأسرة, فالأدوار متكاملة ومهمة, فالمدرسة هنا تتولى ما أنجزه الوالدين من أسس التنشئة و التربية وتضيف لانجاز الوالدين موضوع التعليم. والتعليم المتميز لا بد أن يوفر برامج تتضمن المعلومات الأساسية والنشاطات الاستكشافية والمهارات التي تؤدي إلى أن يحقق المتعلم مستوى متقدم من الإنتاج الإبداعي.
ومن أجل الوصول إلى نتائج مثمرة في تطوير تفكير الطفل المبدع داخل المدرسة، على المعلم أن يعمل بجد لخلق جو تفاعلي داخل الصفوف بين الطلبة و تقديم البرامج التربوية المحفزة للتفكير، فالمعلم أهم حلقة في عملية التربية ولديه دوراً مهماً في تطوير الإبداع لدى الطلبة وذلك من خلال الإجراءات التالية:
تدريب الطلبة انجاز الأعمال التي تدعم اعتماد الطلبة على أنفسهم.
تحفيز دافعيتهم وتنمية مهارات التفكير لدى المتعلمين.
تشجيع وتنمية القدرات الإبداعية.
تقديم الأنشطة التي تثير خيال الطالب.
تدريب الطالب وتشجيعه على البحث والتعمق في المعلومة.
إن جميع الإجراءات السابقة وحدها لا تكفي في تحفيز ودعم التفكير الإبداعي لدى طلبة المدارس، إلا إذا تم تهيئة الظروف التعليمية المناسبة، حيث تعد البيئة المحيطة عنصرا أساسيا وضروريا لظهور القدرات الإبداعية لدى الأفراد, لذا على المدرسة التي تنشد الإبداع أن تراعي ما يلي:
توفير أنشطة تنمي قدرات المتعلم على تحمل التعقيد والغموض.
الاهتمام بمراعاة الفروق الفردية لدى الطلبة, والاهتمام بأنماط التعلم لدى المتعلم، وضرورة تنويع النشاطات باختلاف تنوع القدرات.
تشجيع الطلبة على التعبير الحر عن الأفكار الجديدة وغير المألوفة وتعزيزها.
تعزيز روح التعاون بين الطلبة على استخدام أدوات حل المشكلات الإبداعية بهدف تنمية المهارات والقدرات الإبداعية لديهم.
مراعاة المرونة بالأنظمة والقوانين المحددة والتي تعيق الإبداع.
واستكمالاً لدور المدرسة في تنمية الإبداع, يقع على عاتق المعلم الإلمام بثلاث عناصر هامة تسهم مع بعضها البعض في عملية الإبداع وهي: نواحي الإدراك، والشخصية, والظروف البيئية. وعلى الرغم من تفاوت نظرة المعلمين اتجاه العناصر الثلاث, إلا أنهم يلعبون دوراً هاماً في تطوير عملية الإبداع من خلال الاهتمام بهذه العوامل.
ينتقل المبدع من الأسرة ثم المدرسة وأخيراً إلى المجتمع لتكتمل السلسلة التي تتسع حلقاتها في كل مرحلة، وكل مرحلة هي قاعد أساسية للمرحلة التالية. ولا تقل أهمية المجتمع عن الأسرة والمعلم والمدرسة، حيث يعد المجتمع حجر الزاوية الذي تتفاعل داخله عناصر مختلفة منها الثقافية والاقتصادية والدينية والسياسية والتعليمية وغيرها. ويشكل المجتمع المحيط الداعم لعملية الإبداع والابتكار وذلك بتوفر بعض العوامل المساعدة مثل: رعاية المبدعين، وتقبل التجديد والتغيير، وتشجيع الأفراد على البحث والاكتشاف، وتطوير آليات للتنسيق بين سوق العمل والمدارس والجامعات، بالإضافة إلى توفير الدعم المادي والمعنوي للمبدعين.
ومثلما توجد عوامل مؤثرة في تألق الإبداع، توجد بالمقابل معيقات للإبداع يمكن أن تسبب إحباط للمبدع, ومن أهمها: معيقات بيئية، ومعيقات بصرية وإدراكية، ومعيقات تعبيرية، ومعيقات فكرية، ومعيقات انفعالية.
خلاصة الموضوع تكمن في حاجة الإنسان المبدع إلى رعاية خاصة تبدأ من البيت ثم المدرسة و المجتمع, وكل جهة مسئولة عن تنمية جزئية هامة في شخصية الإنسان المبدع.