التخيل
المخيلة شيء يولد معنا. إنه حق مشهود يمتلكه كل منا. ومع ذلك، فهي قدرة فطرية غالباً ما نتركها تتعرض للضعف والذبول. لماذا؟ يعود الجواب على ذلك جزئياً إلى أننا، ونحن نتابع سيرتنا الدراسية في المدارس ونتقدم في العمر، نتلقى رسائل تفيد بأن المخيلة غير ضرورية، وأن تغذية المخيلة أمر لا بد من تنحيته جانباً وذلك لإفساح المجال أمام تطوير فهم أفضل للعالم وأكثر عمقاً. وكما لاحظت أورسولا ليغوين (2014) فإن "العديد من الأمريكيين نشأوا على فكرة مفادها أن من الضروري كبح جماح مخيلاتهم ورفضها باعتبارها ظاهرة طفولية". فقد تم إبدال المخيلة بالتحليل، فالعقل الذي يجنح باتجاه المرح والتخيل نحّى نفسه جانباً وأفسح المجال لما هو واقعي وجاد. هذه خطيئة كبرى كونها تحدُّ كثيراً من القوة التي تتمتع بها المخيلة، التي يمكن أن نَفيدَ منها في تجربتنا الحياتية.
 
 في كتابهما بعنوان "ثقافة تعلّمٍ جديدة: تغذية المخيلة في عالم متسمٍ بالتغير المستمر" يرى الكاتبان دوغلاس توماس وجون سيلي براون (2011) أن قدرتنا على الانخراط بشكل ناجع في العالم محكوم بلعبة المخيلة، وهما يزعمان أن المرح والمخيلة مسألتان حاسمتان لحياة ناجحة في عالم يتسم بالتغير المتسارع، أن يكون المرء "منفتحاً على المخيلة" والسماح لها بأن تتحرك على هواها في أي أماكن تختارها، يمثلان الشرط الأساس لتطوير إمكاناتنا الذهنية إلى المدى الأقصى. 
 
كثيرًا ما يربط التخيل بالإبداع، ومع ذلك فبينهما اختلاف كبير، كما ألمح لذلك التعريف الذي طرحه "سنغر" (1999) حيث عرّف التخيل بأنه "سمة أو صورة خاصة من التفكير الإنساني تتصف بقدرة الفرد على إعادة إنتاج صور أو مفاهيم مشتقة أصلاً من الحواس الرئيسة لكنها تنعكس الآن في وعي الفرد كذكريات، أو نزوات أو خطط مستقبلية. وهذه الصور الحسية (أي "الصور المتكونة في عين العقل") أو المحادثات العقلية، أو الروائح المتذكرة أو المتوقعة، أو اللمسات، أو الأذواق، أو الحركات يمكن إعادة تشكيلها وتجميعها على شكل صور جديدة أو على شكل حوارات محتملة ومحددة قد تتراوح من اجترار مفعم بالندم إلى التمرّن أو التخطيط العملي لمقابلة مقبلة من أجل الحصول على وظيفة، أو غيرها من أشكال التعامل الاجتماعي. وقد تؤدي في بعض الحالات، إلى إنتاج بعض الأعمال الفنية الإبداعية التي تشكّل علم الأدب". وقذ تحدث الجهود الإبداعية بمعزل عن الصور والخيال.
 
ويمكن أن نلحظ التداخل بين الإبداع والتخيل في عمل روت -بيرنشتين وروت- بيرنشتين (غير منشور)، حيث تفحصا العالم الافتراضي لجماعات عدة بما في ذلك الذين حازوا على جائزة مكارثر (التي تدعى "مِنح العباقرة")، واستخدما طلبة الجامعة كمجموعة ضابطة. وقد عرَّفا العالم المسرحي كمكان خيالي، كان يسكنه غالبًا مخلوقات خيالية أو أناس خياليون، وهناك بعض الناس الذين يدرسون مثل هذه العوالم الخيالية بانتظام.
 
 
القدرات التي يتمتع بها التفكير التخيلي
 
ما عناصر ومظاهر ومكونات وسمات التفكير التخيلي؟ وما الذي بإمكاننا فِعلُه من أجل تطوير قدراتنا على التخيل، وتقوية هذه العضلة الذهنية الإبداعية؟ يسلط مركز لينكولن للتعليم الضوءَ على القدرات التالية في مجال التفكير والتعلم المبنيين على المخيلة:
• الملاحظة العميقة: استيعاب طبقات التفصيلات كافة من خلال الملاحظة المثابِرة والصبورة.
• طرح الأسئلة: طرح الكثير من الأسئلة المبنية على تفكير عميق بما في ذلك "لماذا" و"لِمَ لا"؛ و"كيف" و"ماذا لو؟".
• التجسيد: خوض غمار تجربة الأشياء عبر أحاسيسنا وعواطفنا، وعبر انخراطنا في قضايا جسدية ونفسية.
• تحديد النماذج: تحديد العلاقات بين كل تفصيل وآخر مما نلاحظه، وربط هذه التفصيلات ببعضها بعضاً وجمعها على شكل نموذج أو نمط محدد.
• خلق الروابط: القيام بربط النماذج التي لاحظتها بالمعرفة والتجربة المسبقة التي تملكها. 
• إظهار التعاطف: إبداء التفهم والتقدير والاحترام لتجارب الآخرين ومنظوراتهم.
• إيجاد المعنى: تطوير تفسيرات قابلة للحياة والمستندة إلى ملاحظاتنا والنماذج والروابط والأسئلة التي نطرحها، والتعبير عن هذا المعنى من خلال أصواتنا الفردية التي نعبر عنها شفهياً أو كتابياً.
• التأمل والتقييم: استرجاع ما قمنا به وما تعلمناه وما فكرنا به في الماضي من أجل تحديد التحديات والأسئلة الإضافية. 
• القيام بفعل ما: التصرف في ضوء ما تعلمناه واستوعبناه؛ والقيام بفعل نطور من خلاله تفكيرنا وما تعلمناه.
• التعايش مع الغموض: تقبل الحيرة والتعقيد وعشوائية التجربة من الناحيتين الحَرْفية والمجازية.
هذه القدرات التي نوّه عنها مركز لينكولن للتعليم من أجل تفكيرٍ وتعليمٍ مبنيّيْن على المخيلة، صُمّمت بدايةً من أجل التعليم في مجال الفنون، ولكن تبين فيما بعد بكل وضوح أنها صالحةٌ لكل مجالات التعليم ومظاهره، وأيضاً في مجال التفكير والتعلم خارج غرفة الصف المدرسية، بحيث تشمل كل مظهر من مظاهر حياتنا. إن تطوير هذه القدرات بحيث تتحول إلى طبائع ذهنية يمكن أن يعمّق فهمنا ويقوي تفكيرنا ويغني تجربتنا.
 
 
 
 
 
 
المصدر:
كتاب " التفكير الناقد و الإبداعي"
أخر تحديث : الأربعاء - 07/08/1438
906عدد المشاهدات