مقدمة في الإبداع
إن أول مسألة يجب أن نتناولها هي أن الإبداع مركب أو متلازمة. فالإبداع، كما يؤكد كتاب "الإبداع نظرياته وموضوعاته"، انعكاس للإدراك، وما وراء المعرفة، والاتجاهات، والدافعية، والوجدان، والقابليات والمزاج. فأي هذه العوامل سيعزز فكرة تنمية الإبداع؟ وأي منها سوف يكون له العائد الأكبر من الوقت المستثمر والمصادر المستثمرة؟ ويجب هنا، في حقيقة الأمر، أن نتجنب كلمة "إبداع" أكثر من أي مكان آخر. فهي مجرد اسم مجرد وعام جدًا، وهذا يقود، في نهاية المطاف، إلى كثير من الغموض. لقد اقترح الكاتب قبل عدة سنوات أن تستأصل كلمة "إبداع" من الأدبيات العلمية والبحثية. وقد يبدو هذا الاقتراح متطرفًا جدًا (وربما استعراضيًا) ولكنه كان يهدف إلى تجنب الغموض. ويمكن أن نتجنب هذا الغموض بسهولة عندما نستعمل الصفات بدلاً من الكلمة ذاتها. فبالرغم من أن كلمة "إبداع" غامضة، إلا أن من المفيد الإشارة إلى الطاقة الإبداعية، والأداء الإبداعي، والميول الإبداعية، وحتى الشخصيات الإبداعية. إن هذا الاعتماد على الصفات مفيد بشكل خاص عندما نتعامل مع السؤال:" هل يمكن تنمية الإبداع؟" فالإجابات الجيدة على هذا السؤال يمكن أن تتضمن:"نعم، يمكن تحقيق الطاقة الإبداعية"، و"نعم، يمكن زيادة احتمال ظهور الأداءات الإبداعية".
وكما هو واضح من السؤال السابق حول مركب الإبداع، فإن كثيرًا من الفصول في كتاب " الإبداع" يجب أن تحظى باهتمام كبير في محاولتنا لتعزيز وتقوية الطاقات الإبداعية. فهناك، بالتأكيد، مهارات معرفية عديدة يمكن، بل يجب، أن ننتبه لها (كالتفكير التباعدي، والمرونة، مثلاً)، لكننا يجب أن نهتم كذلك بالاتجاهات والأمزجة. فالأبحاث التي تناولت المزاج، في حقيقة الأمر، مفيدة جدًا لأنها تبين أنواع الأمزجة التي تقود إلى أنواع التفكير المختلفة. فالمزاج الإيجابي، مثلاً، مناسب تمامًا إذا كان علينا القيام بتفكير تباعدي، لأن المزاج الإيجابي يسهّل ظهور ترابطات ومغامرات واسعة (Friedman et al. 2003; Wallach & Kogan, 1965).
كما أن بحوث المزاج تبيّن أن الأفراد بحاجة إلى معرفة السبب الذي يجعلهم في مزاج جيد؛ لأن مجرد استثارة هذا المزاج الجيد لا تكفي.
هناك عدة أسباب تجعلنا نعتقد بإمكانية تعزيز الإبداع وتقويته ورعايته. ومن أبرز الاسباب لهذا التعزيز أن لهذه التنمية فوائد واضحة في المواقف التطبيقية، كالمدارس والمؤسسات التي تهتم بالاختراعات. لكن لتقوية الإبداع فوائد أكثر من هذا. فمثلاً هناك فكرة تقول إن لدى كل منا طاقة إبداعية كامنة يمكن تحقيقها. فإذا تحققت هذه الطاقات الكامنة، أو وصلت إلى أقصى ما يمكنها الوصول إليه، فإن فوائد الإبداع( للصحة النفسية والجسمية، مثلاً) سوف تصبح أمرًا واقعًا. وسوف تتضح هذه الفوائد على الصعيدين الفردي والاجتماعي (Florida, 2004; Rubenson & Runco, 1992b; Simonton 1998). وقد تعتقد أن هناك حاجة ماسة إلى الإبداع على المستوى الفردي والاجتماعي؛ وبالتالي هناك حاجة للاستثمار في البرامج والأساليب المصممة لتنمية المهارات الإبداعية.