عندما كان الدكتور دافيد ليفينجستون (David Livingstone: 1813-1873) في أفريقيا، كتب له مجموعة من أصدقائه: "نود أن نرسل لك رجالاً آخرون، لكن هل وجدت طريقاً آمناً في منطقتك؟"
ونقلاً عما رواه أحد أفراد عائلة الدكتور ليفينجستون أنه قد رد على الرسالة السابقة كاتباً: "إذا كان من لديكم من الرجال سيأتون فقط لأنهم علموا بأن هناك طريقاً آمناً فإني لا أريدهم، بل أريد الرجال الذين سيأتون حتى لو لم يكن هناك أي طريق أبداً."
ما قاله ليفينجستون يؤكد أن أول خطوة في أي نموذج من ( نماذج بناء الفريق) هي الاختيار الصحيح لأعضاء الفريق، وذلك لما تلعبه هذه الخطوة من دور مهم في نجاح وتميز أي فريق، وعليه كان لزاماً على القائد الناجح الذي يسعى إلى الريادية والصدارة أن يضع هذه الخطوة عين الاعتبار.
كيف تتأكد من جودة الفريق؟
إن الاختيار الصحيح لأعضاء الفريق يعني جذب الأفراد المناسبين لنوع العمل، القادرين على أداء أي مهمة في شتى الظروف، لأنه من الطبيعي أن يعمل الفريق بنجاح حين تسير الأمور على ما يرام، ولكن التحدي الذي يواجه النجاح يظهر عندما يتعرض الفريق للمعيقات والصعوبات. لذلك، فإن فريق العمل الجيد هو الذي يستطيع القيام بأداء المهمات بفعالية عالية على الرغم من تعرضه للضغوط. إن جميع ما تقدم مهم لأي مؤسسه، ولأي عمل يحتاج إلى مجموعات من الأفراد لانجازه .
وفي حال كانت المؤسسة تهدف إلى الريادة في منتج ما، أو كانت رؤيتها تسعى إلى الصدارة وتبحث عن النجاح المتميز، فهنا عليها أن تبحث عن فريق عمل قادر على العطاء وصاحب تفكير متجدد قادر على الابتكار. ولأن مثل هؤلاء الأشخاص لا نستطيع أن نجدهم بسهولة، ولا نستدل عليهم بمجرد النظر إلى هوياتهم الشخصية، فهناك بعض السمات والخصائص التي تساعد في التعرف على مثل هذه الفئة من الأفراد.
الابتكار وصغار السن!
تسعى بعض الشركات إلى استقطاب ذوي الخبرات وأصحاب الأسماء البراقة، ولكن في حال سعيِها نحو الابتكار لا بعد أن تعي أهمية التوجه إلى صغار السن فهم أكثر تطلعاً للمستقبل، كما أن مخزونهم العقلي من التصورات والفرضيات أقل بكثير من مخزون أولئك الناضجين، وإن قلة خبرتهم تعني قلة معرفتهم بالذي لا يناسب ولا يصح، الأمر الذي يجعلهم أقل حذراً وتحفظاً وأكثر جاهزيةً للتجربة. ولذلك قال نابليون ذات مرة: "المهارة الحكومية هي أن لا تجعل الأشخاص يعمرون في وظائفهم". مثل هذه الفلسفة تؤكد على أن الجودة الفكرية وحدها لا تكفي، وإنما لا بد من تبني أفكار جديدة، الأمر الذي يعني أن الخبراء والمفكرون الجيدون لا يُكتفى بهم وحدهم، بل هناك حاجة أيضاَ لألئك الذين يحولّون المستحيل إلى واقع ممكن -ويُقصد بهم- أولئك القادرون على الإبداع والابتكار.
هناك الكثير من الأفكار الجيدة، ولكن يبقى الطلب دائماً على الجديد المفيد، ويبقى السؤال الدائم لكل قائد يسعى بشركته إلى عالم الريادية هو؛ هل لديه أفراد قادرين على تقديم أفكار جديدة للعمل، و بعبارة أخرى قادرين على الابتكار؟
إن الابتكار لدى الإنسان مثل الطول والوزن والقوة، نحن نختلف كثيراً في هذه الأبعاد، لكننا جميعاً ولاشك لدينا بعض الطول وبعض الوزن وبعض القوة، الأمر الذي يقودنا إلى القول بأن الجميع لديه قدراً معيناً من مهارات التفكير الإبداعي، لكن البعض يتفوقون في إبداعهم على غيرهم، وهذا التفوق نستطيع أن نميزه في الفرد من خلال بعض السمات الشخصية، مثل: (الانفتاح، المرونة، تقديم الطرق المتجددة لحل المشاكل، شجاعة الفرد الكافية ليكون مختلفاً ويقدم الجديد، التحفيز الذاتي، وغالباً الإدمان على العمل).
سمات المبتكرين
السمات الآنفة الذكر هي السمات الأكثر شيوعاً وأهمية لدى المبتكرين، والتي ركزت عليها الأبحاث، ولكن تظل هناك سمات أخرى ، مثل:
• يتمتع بذكاء عام شامل، وهذا يشمل القدرة على التحليل كما يشمل القدرة على تخزين واستدعاء المعلومات، و القدرة على الاستماع الجيد.
• لديه درجة عالية من الاستقلال والاكتفاء الذاتي والتوجيه الذاتي.
• قد يميل إلى العزلة أو الانطواء، خاصة حينما تراوده فكرة جديدة .
• يتميز باستقلاليته في الحكم، ويتحمل الضغوط ويتعامل معها بمرونة، وقادراً على الانسجام في التفكير.
• قد يرى الأشياء كما يراها الآخرون، لكنه أيضاً قد يراها بطريقة مختلفة.
• قد يبدو غير عقلاني، وهذا ما يؤكد أهمية وجود الشخص المبتكر المتصف بهذه السمة في أي مؤسسة طموحة، فمثلما قال جورج برنارد شو (George Bernard Shaw) "الرجل العقلاني يكيّف نفسه مع العالم، في حين أن الرجل غير العقلاني يصر على أن يكيف العالم بناء على رؤيته الخاصة، ولهذا فإن كل التقدم يعتمد على الرجل غير العقلاني."
المجازفة
تتميز شخصية المبتكر باهتمام أو دافعية خاصة نحو المجازفة - المخاطرة - كأن يلقي بنفسه في خضم المشاكل أو يضع نفسه أمام الفرص الجديدة معتمداً على جهده الشخصي فقط لا على خبرة سابقة ولا على نصيحة مجرب، وهذا يؤكد ما قاله المخترع بارنز واليس (Barnes Wallis): "ليس هناك متعة أعظم في الحياة أكثر من إثبات أن الشيء مستحيل، ومن ثم إظهار أنه يمكن القيام به." مثل هذه الدافعية نحو المغامرة والاكتشاف يعززها ما يتميز به المبتكر من حسٍ فضوليٍ عالي وملاحظة قوية.
دائماً في عالم الفانتازيا
يعيش الفرد المبدع الحقيقي قريباً من عقله اللاواعي الموجه بمستوى يفوق الناس الآخرين، ويستمع إلى حدسه، كما أنه يعيش دائماً في عالم الخيال وأحلام اليقظة والفانتازيا. وعادةً ما يكون لدى الفرد المبدع الكثير من الأفكار المتناقضة والمتعارضة، ولكنه يستطيع تجميعها بتكامل ووضوح دون أي غموض، ولذلك عادةً ما يصل إلى تراكيب إبداعية غنية و جديدة .
نستخلص مما سبق، بأن المنزل الجميل لم يقم ببنائه شخصٌ واحد، بل هو نتيجة عمل جماعي متكامل، وأنَّ جودة المؤسسة الابتكارية تعتمد على جودة وابتكارية موظفيها، فالآلات لا تفكر، وأجهزة الكمبيوتر لا تستطيع خلق إبداع دون عقلٍ بشريٍ يبرمجها، والمال لوحده لا يستطيع أن يجعل من المؤسسة صاحبة ريادة وذات تميز.