كيف يمضي المدراء يومهم؟ وأكثر تحديداً.. كيف تمضي أنت يومك؟
عندما تعود إلى بيتك عند نهاية اليوم، هل تستطيع القول كيف مضى الوقت؟ وماذا فعلت به؟ وإلى أيّ مدى أصبحت فيه قريباً من إنجاز الأهداف التي خططت لها ورسمتها بنفسك.. إلخ. هذه الأفكار والتساؤلات المرهقة التي تستفزّك وأنت جالس إلى غدائك الذي بدأ يبرد والذي تم تحضيره منذ ساعتين..
هل ذاك بسبب كمية الإنجازات؟ أم بسبب المستوى المرتفع للمصروفات المهدورة؟
إن الفعالية تعني إجراء الفعل أو التحرّك الصحيح في الوقت المناسب والمكان المناسب، وليس بالضرورة أن يرتبط ذلك بالمستوى العالي من النشاط. وبالطبع، فإن أداؤك العمل الصحيح في وقته بنشاط عالي المستوى هو شيء مثالي محمود، ولكن إن لم يكن ذلك بدقّة وصواب.. فإنّ هذا الجهد والنشاط لن يساوي شيئاً.
وإذا أردت أن تستعمل الوقت بشكل فعّال، فلابدّ له أن يكون مصَوَّباً لإنجاز أشياء مهمة وليس كممارسات لملء النهار. وبالطبع، فإن كل فرد منّا راغب باستخدام فعّال وهادف للوقت.. وهذا واحد من أسباب شعبية برامج طرق التدريب الإداري على فن استغلال الوقت.
إنّ فن إدارة الوقت وأنظمته وملفاته، هو تأهيل للمدراء العصريّين نحو أكسير الشباب الدائم! لأنّه يبدو كعلاج جاهز لمشاكل شاملة.. الناس تتّجه لذلك، وتشتري كل ما ينتشر حوله.. بلهفة.. آملين أن ينظموا جداول أوقاتهم بفعالية.
وقد سألت "ابنة صديق لي"، أُمّها هذا السؤال:
- لماذا لا يكتفي أبي بالمجيء متأخراً إلى البيت، بل يعمل وقتاً طويلاً في مكتبه في الطابق الأعلى؟
- فأجابتها أُمّها بأنّ أباها يأتي بملفاته التي لم ينجزها طوال عمله في المؤسسة ليكملها في المنزل!!
- فردت الفتاة بشكل بريء: لماذا لا يدخلوا والدي في مجموعة المتعلِّمين المبتدئين؟!
وفي الحقيقة، فإن هناك بعض الأفراد من مختلف المستويات الإدارية، وفيهم بعض المدراء، تبيّن من خلال الإحصاءات والدراسات المبنية على استطلاعات ميدانية، أنهم يعانون من عادات أخذ ملفاتهم إلى بيوتهم÷، ويسألهم زملاؤهم وأهلهم الذين يعانون من تصرفاتهم عن السبب في عدم إنجازها في وقت الدوام الذي يضيِّعونه، يجيبهم هؤلاء بأن إنجازها وقت الغسق هو البديل المناسب!
إنّ الزمن هو الرأسمال الوحيد الذي يملكه كل إنسان، والشيء الوحيد الذي لا يحتمل فقدانه. والأقوال المأثورة والحكم التي تتعلق بالزمن كثيرة.. أبرزها: الزمن كالسيف إن لم تقطعه.. قطعك!
وليسأل كل منّا نفسه هذا السؤال الطريف، والحقيقي في ذات الوقت: لماذا يجد كلّ منّا الوقت لما يريد أن يفعله هو حقاً، ولا يجد الوقت لما يُطلَبُ منه إنجازه؟
- والفرق واضح بين الحالتين.. وهو فرق أحدثه الشخص ذاته.. وليس الوقت! فالفارق هنا هو في أغلبه، عدم وجود الفعالية.. والناتج بدوره عن عدم وجود إدارة للوقت.. فهذا المدير الذي يعود إلى البيت متسكعاً في المساء حاملاً محفظة منتفخة بالأوراق التي لم ينجزها في مكتب عمله.. يستحق الرثاء والشفقة. وفي ذات الوقت لا يمكن اعتباره إلا عائقاً أمام تطوير فعاليّة الإدارة، وإذا كنت واحداً منهم.. فتوقف عن التسامح مع نفسك.
أيها المدير: في مسألة الزمن لا تسامح نفسك، دائماً توقف واسأل (أو اسألي) نفسك ما ذنب زوجتك، أو زوجك؟ ما ذنبهم الآخرين حين لا يرونك طوال هذا الوقت الضائع؟ من الصباح إلى المساء.. ثمّ من المساء حتى وقت متأخر من الليل.. وفي دوامه مستمرة من عدم الإنجاز طوال هذا الوقت الذين يضيع بلا إدارة صحيحة وفعالة؟
والمرؤوسين من الموظفين الذي تؤخرهم يومياً في العمل بسبب أساليب عملك اللا فعّالة، والسؤال المهم هو: لو أنّ هذه الاستهانة بالوقت، والعمل يطبقها العاملون لديك في عملك الخاص فهل كنت تبارك لهم عملهم بهذه الطريقة؟! التسويف.. التأجيل.. المماطلة!
لو أن جدّتك قالت لك: إنّ المماطل لص.. صدّقها! لأنّها تعني سرقة الوقت.. فالذي يؤجل عمل اليوم إلى الغد، معتقداً بأنّه بهذه الطريقة إمّا أنّه سيختفي أو سيتحسن بفعل ملكة الجن التي ستظهر كما في الروايات الخيالية وتجعل كل شيء أحسن! ولكن ذلك لن يحدث في الحياة الواقعية.. ولن تزداد المشاكل المعلقة أو الأعمال المؤجلة إلاّ تعقيداً وصعوبة في الحلّ..
إنّ التأجيل، أو المماطلة والتسويف.. مهما كانت تسميتها، لن تزيد المشاكل إلا صعوبة.
التأجيل هو القوة التي توقف عجلة الإنجاز، وبالتالي عقبة بوجه التقدم، والمؤجّلون" يحتاجون وقفة لتحليل سبب حالة اللا قرار والإحجام التي تجعلهم يميلون نحو التسويف في الحسم والإنجاز اليومي أثناء العمل.. أهي نابعة عن عدم الكفاءة؟ أم القلق داخل جو العمل؟
ما يتوجَّب قوله بناء على ذلك هو: أنّ الكثير من السُفن الكبيرة غَرقت بسبب إهمال ثقب صغير جدّاً والمماطلة في إصلاحه، وظلت تنتظر حتى توسع هذا الثقب الصغير جدّاً.. لتتكفَّل أعماق البحار بالمشكلة أخيراً.. بحيث لم يعد الثقب الصغير وحده الذي اختفى.. بل الباخرة بأكملها!