تعد مرحلة الطفولة المبكرة لدى الموهوب من أهم المراحل في حياته, تنضج فيها المهارات الاجتماعية بالتدريج من سن الولادة وحتى الثالثة من العمر,حيث يتعلم الطفل الموهوب كيفية التأقلم والتفاعل مع الأشخاص من حوله, وتتطور اهتماماته بشكل أسرع من أقرانه,وتظهر عليه علامات الذكاء ودقة الملاحظة وسرعة البديهة, ويبدأ بالاستمتاع باللعب والتفاعل مع إخوانه ورفاقه. هذا و تعد مرحلة الطفولة المبكرة مسؤولة عن تكوين شخصية الطفل الانفعالية والاجتماعية والفكرية اللاحقة،تتضح فيها ملامح الإبداع والابتكار عند الطفل الذي ينمو في إطار اجتماعي متمثلاً بالأسرة كأول مجتمع يتم خلاله غرس القيم والاتجاهات والعادات والتقاليد السائدة داخل الأسرة و المجتمع.
يواجه الأطفال الموهوبين في كثير من الأوقات مشكلات فريدة مثل علاقتهم برفاقهم واستجابات أقرانهم المشبعة بالغيرة نحو تفوقهم، و إهمال الكبار لهم. هذا ويعاني الموهوبين من التباين بين مستواهم العقلي الذي يفوق نموهم الجسمي والعاطفي والاجتماعي مقارنة مع الأطفال العاديين ،ويتعرضون إلى رفض بعض المجتمعات لكل ماهو جديد ومخالف لما هو موجود لدى الأفراد العاديين،و بالتالي فإن هناك عدم تقبل لقدرات الطالب الموهوب التي قد تفوق في كثير من الأحيان قدرات المدرس نفسه.
يخطئ البعض عندما يعتقد أن الطفل الموهوب ليس بحاجة إلى خدمات توجيهية وإرشادية نظرا لكونه ذكي ومبدع، وبإمكانه التعلم والنجاح بمفرده من دون رعاية خاصة، وحل مايعترضه من مشكلات دون مساعدة أحد. لقد كشفت العديد من الدراسات المتخصصة في مجال تربية الموهوبين ، أن نسبة غير ضئيلة من الموهوبين تعاني من مشكلات تواجههم في البيئة الأسرية والمدرسية،مما قد يؤدي إلى :
- تراجع في القدرات العقلية.
- تدني الحماس, والشعور بعدم الثقة.
- انحراف في السلوك الاجتماعي والانفعالي.
يحرص الموهوب على تحقيق مستويات فائقة من الإنجاز بحكم أنه يتسم بخاصية المثالية, والتي تسبب له غيرة الآخرين و تشكل عقبة أمام تواصله مع أقرانه من نفس العمر.كذلك في الوقت الذي يبدو فيه الطفل العادي متوافقا من حيث النمو الجسمي والعقلي والاجتماعي و الانفعالي مقارنة بعمره الزمني، نجد أن جوانب النمو هذه تمضي بمعدلات متفاوتة السرعة عند الطفل الموهوب ، ويشكل هذا التباين في مظاهر النمو عند الطفل الموهوب بداية الهوة بينه وبين أقرانه العاديين لما يترتب عليه من أنماط سلوكية سلبية من بينها:
- الشعور بالقلق والإحباط.
- الحساسية المفرطة .
- الانفعالية الحادة.
إن جميع السلوكيات السابقة مجتمعة تسهم في خلق صعوبات توافقية بين الأطفال الموهوبين و الأطفال العاديين، فضلا عمّا يواجهه الإباء والمعلمين في المدرسة من إرباك أو إحباط أحياناً عندما يتعاملون مع الموهوب.
تشير (Robinson1996)إلى أن هذه المشكلات تظهر وتكون أكثر تعقيدا عندما تكون الظروف البيئية المحيطة بالطفل الموهوب والمتمثلة في تعامل الأهل والمربين قائمة على أساس التعامل مع العمر الزمني للموهوب فقط ولا تتوافق مع النمو العقلي والانفعالي لدية, و الذي يميزه عن باقي أقرانه العاديين. لذا يتوجب على المحيطين بالطفل الموهوب فَهم جميع جوانب شخصيته واحتياجاته ودوافعه الداخلية للنشاط والتفكير والإبداع، والعمل على إشباعها بدلا من إحباطها، وتهيئة الأنشطة التي تستحث اهتماماته وتستوعب طاقاته وتتيح له إظهارها والتعبير عنها.
إن بناء العلاقات الاجتماعية لدى الطفل الموهوب ليس بالأمر الهيّن، فهو ينمو بخصائص سلوكية خاصة و متعددة قد تجعله عرضة للانطوائية والانزواء أحياناً إذ لم يجد البيئة الداعمة والمحفزة لأفكاره وانفعالاته، خاصة أن الطفل الموهوب يدرك بيئته الاجتماعية فور دخوله إلى المدرسة، ويجد نفسه عاجزا عن الاندماج مع مجموعة الرفاق بسهولة لأنه يشعر منذ الوهلة الأولى بالاختلاف, ويجد صعوبة في تقاسم الوقت والاهتمامات مع أقرانه، ويواجه صعوبة الارتباط بعلاقات واضحة الملامح مع صديق حقيقي يشاركه أفكاره ويتقاسم أوقات اللعب معه.
أثبتت الدراسات الحديثة أهمية الصديق في الحياة الاجتماعية للطفل الموهوب, وضرورة التباهي بالرفاق داخل الصفوف المدرسية من أجل نشوء الإحساس بالانتماء والطمأنينة و تكوين نظام الجماعة، ويحرص الموهوب على اختيار نماذج أصدقاء تشبهه في بعض السمات والخصائص للتخفيف من حالة القلق والتوتر التي يعاني منها, سواء بين أفراد الأسرة أو حتى داخل الصفوف العادية في المدرسة.
دور الأسرة في تكوين صداقات الطفل الموهوب:
تلعب الأسرة دور محوري في تقريب المسافات بين الطفل الموهوب و أفراد المجتمع, و تساعد الأسرة أيضاً في تشكيل صورة العلاقة بين الموهوب و إخوانه و رفاقه في المدرسة ,وذلك من خلال الحرص على توفير التنشئة الخاصة للطفل الموهوب, والمتمثلة في تلبية احتياجاته النمائية المختلفة,وتشكيل ثوابت تربوية مفيدة للتعامل معه.
معظم المشكلات والمتاعب التي يواجهها الطفل الموهوب ليس بالضرورة أن ترتبط بكونه عبقري ولديه خصائص مميزة، وإنما غالباً تعود إلى موقف أفراد المجتمع ورفضهم لقدراته غير العادية. هذا و أكدت لويس بورتر (1999Porter) بأن حدة تأثير المتاعب في حياة الطفل الموهوب تكون أعلى وأشد مقارنة بأقرانه العاديين, و بالرغم مما يتمتع به الموهوب من استعدادات ومهارات وطاقات عقلية عالية يمكن توظيفها في حل مشاكله والتعامل مع الضغوط وتلبية احتياجاته النفسية والعقلية والاجتماعية ،إلا أنهم بحاجة ماسة إلى خدمات إرشادية تساعدهم في التغلب على مشكلاتهم وعلى مواجهة الضغوط المختلفة وتساعدهم على التمتع بمستوى عال من الصحة النفسية والعقلية والاجتماعية.
دور المدرسة في بناء صداقات الموهوب:
إن ما ذُكر أعلاه عن أهمية دور الأسرة لا يقلل من أهمية توفر الخدمات الإرشادية التي تدخل ضمن البرامج التربوية والمناهج الدراسية عموما، ويلعب المدرس دور جوهري في تذليل الصعوبات التي يواجهها الطالب الموهوب داخل الصف, ومساعدته على اختيار رفاقه والانفتاح على الآخرين عبر الحوار البناء. كذلك لا بد من إشراك الموهوب في الأنشطة الجماعية وتعزيز ثقته بنفسه أمام زملائه من خلال تقبل أفكاره ومناقشتها بشكل جدي وعدم السخرية من طريقة حله للمشاكل,والحرص على التقليل من إحساسه بالعزلة,هذا مع التأكيد أن الطفل الموهوب يحتاج لمعاملة خاصة من قبل الجميع,علماً أنه يتصف بخصائص إيجابية كثيرة.
أخيراً وليس آخر, تؤكد جميع الدراسات الحديثة في مجال تربية الموهوبين أن الطفل الموهوب يحتاج إلى دعم كبير من طرف المجتمع ككل و الأسرة و المدرسة بشكل خاص, وذلك لمساعدته في بناء علاقات اجتماعية واختيار أصدقاء حقيقيون يسهمون في توازن سلوكه الاجتماعي والانفعالي,وأيضاَ لأن الأصدقاء يخففون من صعوبة تكّيفه داخل الأسرة والمدرسة,و يساعدون في التخفيف من المشاكل التي تواجهه بسبب صعوبة تعامل المجتمع مع موهبته و تميزه.