هل سمعت بالهوية؟ آمل أن لا يتبادر لذهنك أننا نتحدث عن (بطاقة الأحوال المدنية) فكثير من الناس لا يعرف المعنى الحقيقي للهوية ولا يدرك مفهومها العميق، والمحظوظ من عرفها ونماها باكراً وعززها بكل الطرق. فهناك من هو مشتت ويبحث عن هوية له، وهناك من فقدها إلى الأبد. وأن تكون لك هوية أمراً ليس بالسهل اليسير، وليس هو بالأمر الصعب العسير، فالهوية مرتبطة ومتمحورة حول مفهوم الإنسان لنفسه ولذاته وحول معرفة الجواب الشافي "من أنا؟".
لكل شخص هويته والهوية هي التميز والتفرد في الصفات التي ينفرد بها الفرد عن سائر البشر, مثل الصوت والطباع واللون وأي من الصفات الخُلقية والخًلقية.لقد تمت تربيتنا على مفهوم الهوية الرئيسة والمهمة والمتمثلة في كون الفرد عربي مسلم ولداً كان أو بنتاً, ولم نتعلم كيف يكتشف الفرد كينونته ومفاهيمه النفسية ومواهبه المتميزة. فكون أن الإنسان لا يعرف هويته فهذه مشكلة، لكن أن يجهل الموهوب هويته مشكلة أكبر، لأنها لا تخصه لوحده فقط بل تخص المجتمع بأسره, وهناك عدة عوامل تمثل القوى الداعمة في تشكيل الهوية لدى الفرد الموهوب.
إن التأكيد على الموهبة من أقوى العوامل المؤثرة في هوية الموهوب, والتأكيد هذا يعتمد على الثقة والقناعة والمعرفة بوجود ما يسمى الموهبة أو الموهوبين. وتتأثر الموهبة بعوامل البيئة المحيطة والعلاقات الأساسية مثل علاقة النفس، الأهل، المدرسة، الأشخاص ذوي العلاقة، وهي علاقات مهمة للموهوب لأنها مصدر للدعم والتأييد, فقد لا يشعر الطفل أحيانا بأنه موهوب لأن المدرسة لم تعترف بموهبته أو لم تتعرف عليها، لذلك وجب على المربين أن يتعرفوا على قدرات الموهوب ويعملوا على تأييد ودعم هذه الموهبة. وللعائلة والأبوين تحديداً شأن لا يقل أهمية عن المدرسة والمربين، فالوعي التام ومعرفة طرق اكتشاف الموهبة لدى الأبناء يساعد و يسهم بشكل كبير في بناء ثقة الموهوب بنفسه ومعرفته لقدراته, لذا فالأطفال الذين يعيشون ضمن أسر متعاونة ومتفهمة يكونون أكثر ثقة في أنفسهم وقدراتهم إضافةً إلى فهمهم وإدراكهم لهويتهم.
يعد الدمج عامل أساسي في تشكيل الهوية لدى الموهوبين، ويُعنى به دمج الموهبة لدى الطفل وربطها بالشغف والرغبة بالتعلم والقدرة على التعلم. وللدمج معنى آخر وهو مساعدة الموهوب على تشكيل هويته بدمجه في المجتمع والجماعات والتأكد من استحسانهم له دون فقده لهذه الهوية المتميزة. فبعض الموهوبين يشعرون بصعوبة الاندماج مع المجتمع والتشاؤم والتعذيب النفسي جراء ذلك، ويكون لديهم شك بثقتهم بأنفسهم، وذلك لتميزهم عن غيرهم من أصدقائهم. لذلك يلجأ البعض منهم إلى تشكيل هوية تنفي اعترافهم بموهبتهم الحقيقية من أجل جلب استحسان الآخرين لهم. والعلاقات الاجتماعية تتطور في النفس بواسطة تشجيع الأهل والعائلة، وحين نجد أن الموهوب بدأ في تشكيل وبناء الصداقات وشرعَ بالحوارات والنقاشات مع من هم حوله كالآباء والمعلمين دون إخفاء لقدراته أو نكرانه لهويته كموهوب فهذا يعني أنه اندمج حقا في المجتمع.
بعد الانجذاب عامل آخر في تشكيل الهوية، ويعني الانجذاب تقدير الذات واحترام النفس والسمو الروحي , فإذا لم يشعر الموهوب بتحقيق النداء الداخلي فلن يشعر بالإنجاز, ويزداد الانجذاب بالتحفيز والتحدي اللازم لتطوير الصفات المميزة لديه, فبدون الحاجة إلى الانجذاب سيشعر الموهوب عادةً بالضعف والعزلة عن الآخرين وعن الحياة. ويتبع الانجذاب آثار إيجابية تؤدي إلى دمج الموهوب بهويته كموهوب في المجتمع، وتعمل على تطوير الموهبة , وتساعد على الاستقرار النفسي وتزيل القلق المصاحب عادةً للموهوبين.
تساعد العوامل السابقة في تطوير مفهوم الذات وتشكيل الهوية، في حال تفاعلها مع عدة أنظمة تمثل المتغيرات التي تساهم في تطور هوية الموهوب، فكل نظام لديه خصائص تؤثر في تطور الموهبة الفردية وهذه الأنظمة هي:
1- نظام الذات: يشير هذا النظام إلى قيم ومعتقدات الفرد بما فيها النظرة الداخلية للذات كشخص موهوب، وتشمل أيضا إدراك المرء لكيفية نظرة الآخرين إليه.
2- نظام العائلة: يشمل هذا النظام العائلة المقربة من أب وأم وأبناء، مع الأخذ بالاعتبار أن العائلة المقربة تختلف من مجتمع لآخر.
3- نظام أصل العائلة: وهذا النظام يرتبط بتقاليد الأجيال السابقة للعائلة الممتدة من القيم والمعتقدات التي تحملها العائلة، والتي تلعب دوراً مهماً في تجربة الشخص ونضاله مع موهبته. ومثال عليها: ( قصة الشاب الذي يريد استغلال موهبته في العلوم و اللغة لكتابة روايات الخيال العلمي واعتقاده أنه سيكون الأول في عائلته لاستغلال مواهبه بطريقة غير تقليدية، خاصة أن في تاريخ عائلته تكثر سلسلة المهندسين التقنيين. لكن عندما بحث أكثر في تاريخ عائلته، وجد أن أحد أفراد العائلة القدامى كان روائياً، وساعده هذا على الانفصال عن تقليد عائلته المرتبط بتخصص الهندسة ليحقق طموحه في مجال الأدب).
4- نظام الثقافة: ويشمل الموروث من الجنس والعرق والدين والثقافة، فكل فرد يحمل مجموعته الخاصة من المعتقدات والقيم والخصائص، هذا إلى جانب الموهبة. فالاهتمام بالموهبة وتثمينها يختلف من ثقافة إلى أخرى, ففي بعض الثقافات قد لا تقدر بعض |أنواع المواهب أو قد ترفضها.
5- نظام المهنة: وهذا يرتبط باختيار المهنة وتطويرها، ونوع العمل نفسه، ونوع التجربة المهنية التي يتعرض لها الفرد.
6- نظام البيئة: يؤثر هذا النظام على تكوين الهوية من خلال رعاية أوعدم رعاية موهبة الشخص. مثل غرفة الطفل في المنزل ومكتب الفرد في العمل, وجغرافية المكان من حوله والتي قد تؤثر على موهبته.
7- نظام التعليم: يعتمد هذا النظام على الطرق الرسمية أو غير الرسمية التي يتعلم من خلالها الشخص الموهوب بما فيها المدارس و الحلقات الحوارية و النوادي والدراسة المنفردة.
8- نظام النشأة: يشمل على تغييرات دورة الحياة, كالدخول في سن المراهقة، وولادة طفل، والزواج، والاستقلال عن العائلة. فكل تلك الأنظمة تعد من أهم الأسباب في اكتشاف الموهوب لنفسه وتكوين هويته، حيث أنها تشكل المقومات الأساسية في حياه أي شخص.
إن موضوع تشكل هوية الموهوب مهم جداً، ومن المؤكد أنه إن لم تتشكل هذه الهوية بالشكل السليم، و إن لم تجد من يعززها فالخسارة حاصلة لا محالة، حيث سيشكل ذلك هدراً لطاقات الموهوبين دون فائدة أو نفع.
عندما نرى أن الأم تجهل حاله ابنها الموهوب، ويحتار المعلم بطالب لديه لا يعرف التواصل معه لأنه موهوب، وعندما يَعزل الموهوب نفسه عن الآخرين لأنه وصل إلى حاله قنوط ويأس لعدم فهم الآخرين له, فهذه مشكلة. فلنتعرف ولنتعلم ولنكتشف كل هؤلاء ونساعدهم على تشكيل هوياتهم. فكم من آباء لم يكتشفوا موهبة أبنائهم، وكم من مربين لم يصقلوا مواهب طلابهم، وكم من مدراء لم يلحظوا تميز موظفيهم، الأمر الذي يؤكد أن تشكل هوية الموهوب أمر مهم، ويحتاج إلى تكاتف جهود الأهل والمربين.