يعتبر التعليم النظامي أهم شريان لقيام الدول وازدهارها، لذلك نجد الكثير من الحكومات في العالم حريصة على دعم البحوث العلمية والأكاديمية التابعة للتعليم العالي، و الذي يندرج ضمن إستراتيجية التنمية البشرية طويلة المدى، إلا أن هذا لا يمنع من ضرورة دعم قطاع التعليم العام التابع لوزارات التربية والتعليم، خاصة في الدولة النامية، والتي تحتاج لتظافر الجهود من أجل التأسيس لتعليم نوعي يرتقي بالعقول البشرية ويقودها نحو الابداع، وذلك من خلال تأسيس وتطوير المناهج الدراسية لمواكبة التحولات الإجتماعية التي تجري داخل المجتمعات والإلتحاق بالركب الحضاري في العالم المتقدم.
بوصولنا إلى القرن الواحد والعشرون تغيرت معظم مفاهيم التعليم وطرق الحصول على المعلومة وكيفية الاستفادة القصوى من التطور التكنولوجي والثورة المعلوماتية التي تجتاح العالم من خلال الشبكة العنكبوتية ووسائل الاتصال الحديثة والتي أصبحت داخل كل بيت. يقول (Brasford,1999) أنه في العقد الأول من القرن العشرين كان الشخص الذي يعرف القراءة والكتابة والحساب يعتبر إنساناً متعلما ولديه ثقافة كبيرة، أما في وقتنا الحاضر ومع تطور نظام التعليم العام والخاص، يتوقع أن يصل مستوى المعرفة لدى الطلاب إلى مستويات عالية في المجالات التالية:
• إتقان القراءة المتبصرة.
• الكتابة المقنعة.
• التفكير المنطقي.
• القدرة على حل المشكلات المعقدة.
ومع الاهتمام المتواصل بتنمية التعليم في المدارس والجامعات من خلال تطوير المناهج المتخصصة، أصبح لدى البشر وفرة في الأفكار المبتكرة حول عناصر التعليم الضرورية لمواكبة عصر المعلومات, وقد توصل " المختبر التعليمي الإقليمي المركزي الشمالي في الولايات المتحدة الأمريكية " إلى بعض الأدبيات التي تحسن رأس المال الفكري في القرن الحادي والعشرين وهي كالتالي:
1. إتقان اللغات الأساسية.
2. إجادة استخدام برامج الحاسب الآلي.
3. القدرة على فك طلاسم الأفكار وتفسيرها وفهمها والتعبير عنها، من خلال وسائل الإعلام المرئية، واستيعاب الاختلافات بين الناس والثقافات، والقدرة على تقييم واستخدام المعلومة.
يرى (Hester,1994) أن تقييم نوعية التعليم تقاس من خلال نوعية مهارات التفكير المستخدمة في التعليم, ويعد التفكير في هذه الحالة عملية لحل المشكلات، هذا إلى جانب ضرورة توفير بيئة تعليمية يجتمع فيها الطلاب والشباب لتبادل المعارف حول تجاربهم الجماعية وخلق نوع من التبادل المعرفي.
و من هذا المنطلق تم حصر قواعد رئيسية لتعليم التفكير الإبداعي، من بينها:
- اعتبار المدارس مؤسسات تعليمية يساهم كل فرد داخلها في تغيير الطباع والعادات والقواعد المعمول بها، وذلك من أجل الوصول إلى عملية تعليمية حقيقية تفيد الطالب وتسهم في وضع رؤى إستراتيجية لمستقبل التعليم النوعي، و الذي بدوره يسهم في تطوير مناهج الطلبة المبدعين كل في مجاله, و يقاس هذا من خلال نتائج التحصيل المعرفي والعلمي للطلبة.
- أن تكون للمدارس رؤية شاملة تشرك الطلبة المبدعين والموهوبين في كسر نمط التعليم الجامد، و الذي غالباً مايعتمد على طريقة التلقين, بحيث يسمح لهم بتغيير بيئة المدرسة، من خلال طرحهم للأفكار الإبداعية وتشجيع المبادرة والاختراع.
- التركيز على تأسيس تفكير مستقل مسؤول وواع قادر على التغيير، لأن التفكير
عملية إدراكية، تربط بين مجموعة من التجارب والخبرات لإيجاد علاقة جديدة تتنامى وتتطور لدى الأفراد الذين يملكون مواهب ويتمتعون بخصائص المبدعين.
- يعد مفهوم التوجه التفكيري عنصراً ضرورياً في تأسيس التفكير المستقل، ويحتوي على العمليات الفكرية أو الإدراكية،و يشمل أيضا الانفعالات ومستويات الشعور ونظرة الطلبة الموهوبين إلى أنفسهم.
يرى أحد الباحثين في مجال المكتبات، أن المناهج التعليمية التي تدعم التفكير المنطقي والقدرة على حل المشكلات المعقدة ضحية لتخمة المعلومات المرتبطة بالعصر الرقمي، والتي صعبت من عملية إعداد المناهج المتخصصة داخل المدارس، لذلك يرى أن المكتبات تعد المصدر الأساسي لإثراء المعرفة وتنمية التفكير المبدع لدى الطلبة في جميع مستويات التعليم، و كذلك يرى أن هناك تحدياً كبيراً أمام قوة تدفق المعلومات من جميع وسائل الاتصال وسهولة الحصول عليها من قبل الطلاب.
ويرى كل من (jailall,2000 Glathorn&) بأن المنهج التعليمي الذي يستند إلى القواعد التي تم ذكرها سابقا، ترتكز على اكتساب المعلومات وحل المشكلات المعقدة، وتتجاوز ذلك إلى حل المشاكل المؤثرة، ويجب أن لا تركز على المهارات التي يتم تعلمها بمعزل عن بعضها البعض.
هذا و قدم بعض الباحثين أمثال ((Marzano,2002&Halpern,1997 وغيرهم، تصنيفات خاصة لأساليب التفكير المبدع تركزت فيما يلي:
• استيعاب وفهم المشاكل والأفكار الجديدة والأنماط المستمدة من المعلومات.
• حفظ واسترجاع البيانات الجديدة.
• تنظيم وتحويل البيانات وتحديد العلاقة بين الأشياء.
• إيجاد الأسباب وحل المشكلات والاستدلال الاستقرائي.
• الإدراك والتقييم ومراقبة تطورات التحسن الذاتي.
ولتطوير المناهج التعليمية بهدف تنمية مهارات التفكير، تم إيجاد طريقتين في تنمية مهارات التفكير في التعليم النوعي هما برنامج تسريع التفكير، وبرنامج مهارات التفكير:
1) تصميم برنامج خاص لتسريع التفكير.
تم تصميم برامج خاصة لتنمية التفكير، مثل برنامج تسريع التفكير وبرنامج مهارات التفكير، ويعنى برنامج تسريع التفكير بتدريس المعرفة والعلوم لتطوير التفكير العلمي والإبداعي وقد تم تطبيقه في بريطانيا, ويعرف ببرنامج CASE ، حيث يقوم البرنامج على تنمية مهارات التفكير في مجال العلوم ويمكن للطالب تعميم نفس طريقة التدريس في جميع التخصصات الأخرى، والتي تستند إلى أربعة عناصر هي :
• تشجيع النقاش داخل صفوف المدرسة بين الطلبة المبدعين.
• تنمية مهارات التفكير من خلال تطبيق المنهج.
• التفكير الناقد في المشكلة وتجاوز التفكير السطحي.
• تقبل الآراء المختلفة من قبل الطلبة وتعلم الأسس السليمة للمناقشة.
• الاستفادة من الخبرات داخل الصف في الحياة العملية.
2) تصميم برنامج خاص لتنمية مهارات التفكير
أما برنامج مهارات التفكير يهدف إلى تنمية مهارات التفكير في المرحلة الابتدائية، ويركز على مهارات التعلم الذاتي من خلال تنمية مهارات الاستنتاج والتصنيف والاكتشاف، وكذلك تنمية مهارات التفكير عبر المنهج، من خلال دمج و تدريس مهارات التفكير المبدع عبر المناهج الدراسية،حيث يتم ذلك بتصميم الأنشطة الصفية بطريقة تؤدي إلى تنمية مهارات التفكير لدى الطالب.
بشكل عام،يؤكد العلماء أن تطوير وتنمية الإبداع لدى الطلبة في جميع مراحل تعلمهم لاتكتمل إلا بتصميم مناهج تعليمية متخصصة تلبي احتياجاتهم العاطفية،و الفكرية،و العلمية، وكذلك توفير عناصر بشرية مؤهلة لتطبيق المناهج المطورة في المدارس.