مقالات
 
   
   
 
 

 
 
share on facebook   Tweet    
 
 
 
 
 

لماذا يحتاج العربي إلى الإدارة؟

الكاتب:
ياسر سعيد حارب
 

 

تعد الترجمة إحدى أهم وسائل التواصل بين الشعوب، فمن خلالها نتعرف لا على الآخر فقط، ولكن على إنتاجه العلمي والأدبي والاقتصادي الذي يشكّل في مجموعه كينونة ذلك الآخر. والمطّلع على حال الترجمة في العالم العربي يجدها متردّية جداً، ويكفي أن يعود أحدنا إلى تقرير التنمية الإنسانية العربية الذي أصدرته الأمم المتحدة عام 2003 ليدرك حجم المشكلة.


مع ظهور برامج عديدة في العالم العربي مؤخراً تعنى بترجمة مختلف العلوم من مختلف لغات العالم إلى العربية، بدأ الأمل يدب في أوصال الثقافة العربية، ولكن ماذا يترجم العرب، ولمن يترجمون؟ كنت في جلسة حوار مع مجموعة من المثقّفين العرب الذين أصرّ أغلبهم على أننا في حاجة إلى ترجمة العلوم الإنسانية والأدب، وأن هذه المجالات هي التي ترقى بالفكر الإنساني وبالذائقة المجتمعية.


لم أخالفهم الرأي في حاجتنا إلى ترجمة تلك العلوم، ولكن مشكلتنا في العالم العربي هي مشكلة إدارة على وجه الخصوص. إن أغلب ما يترجم العرب هو اجتماعي أو أدبي نخبوي، يترجم من النخبة إلى النخبة، ليُبخَس حق العامة من هذه الترجمات. حتى المتخصصون لا يجدون إلا النزر اليسير من حاجتهم من العلوم والتخصصات الدقيقة التي تراجعت لعدم تجديد القائمين عليها معلوماتهم التي مر عليها زمن طويل.


إن الإدارة، وليس الفنّ فقط، هي عصب النهضة. فالفن ناتج عن مجتمع متطور، ناضج، يتحدث أفراده عن النمو ويتبادلون الأفكار ويطلقون المشاريع، ولا يمكن لمجتمع أو دولة أن تصل إلى هذا المستوى دون أن تكون لديها إدارة جيدة لتحقيق نمو فعّال يحتضن الفن ويستثمر فيه. إن معظم العصور التي نمت فيها الفنون وازدهر خلالها الأدب هي عصور ازدهار اقتصادي، وقلّما قرأنا في التاريخ عن فنون وآداب نشأت في أحياء فقيرة وظروف اقتصادية صعبة، اللهم إلا بعض النماذج الفردية. ففي روما بزغ نجم الفنون عندما بلغت الحضارة الرومانية أوجها، وفي الأندلس وصلت حركة التأليف ونمت فنون الزخرفة والنحت مراحل متقدمة في عهد عبد الرحمن الناصر وابنه الحكم المستنصر اللذين كان عهداهما يعدّان أهم مراحل تاريخ الأندلس. بل بعد زوال دولة الناصر، أي بعد موت الحاجب المنصور، دخلت الأندلس في صراعات وحروب تباطأت فيها حركة الفنون والآداب بوجه عام.


لا يمكن لدولة فقيرة أن ينتج أفرادها علوماً إنسانية وآداباً عالمية، ولا يمكن لأمة لا تهتم بالإدارة أن تكون خزينتها عامرة. لقد كانت تجربة دبي تجربة إدارية بحتة، فلقد أطلقت الحكومة برنامج دبي للأداء الحكومي المتميز في تسعينيات القرن المنصرم، واستطاعت من خلال هذا البرنامج أن تغيّر العقلية الحكومية وتعزز مفاهيم التميز إلى أن وصلت الحكومة إلى مراحل متقدمة من النمو. وبعد أن نجحت الحكومة، تغيّرت الإمارة وأصبحت جميع قطاعاتها خلاّقة، تتسابق مع الزمن لتحقق المستحيل، والنتيجة هي إيجاد بنية تحتية أصبحت اليوم أساساً لمبادرات ثقافية وإنسانية لم تقف عند حدود الوطن العربي فقط.


إن كل شيء مهم نقوم به في حياتنا يعد عملاً إدارياً، بل إن كل شيء في ديننا لا يحسن إلا بالإدارة الناجحة. وخذ الصلاة على سبيل المثال، فهي تبدأ بإدارة الوقت (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً). وعلى المصلّي أن يلتزم بشروطها وأحكامها فيتحقق بذلك الانضباط "discipline". وإذا التفت المصلي برأسه أو تحدث بغير حديث الصلاة فإنها تبطل، أي أنّه يطبّق معايير جودة شاملة خلال صلاته "Quality assurance"، وبعد أن يقيم كل هذه المبادئ الإدارية بالشكل الصحيح، يدخل بروحه إلى عالم الخشوع ويقيم الصلة مع ربه. الزكاة إدارة مالية، والحج يحوي من علوم الإدارة الكثير، وتكفي الإشارة إلى شروط الحج التي على الحاج الالتزام بحذافيرها وإلا يعد حجّه باطلاً، وقس على ذلك أمثلة كثيرة من الدين والحياة.
إن الوطن العربي في حاجة لكي يقرأ المزيد عن الإدارة، فلا يمكننا أن نطالب الموظف العربي بأن يعامل مراجعيه أو زبائنه بصورة حسنة ونحن نقدّم له الروايات وفلسفات نيتشه. لا نقلل من هذه المؤلفات، ولكن لا يجب أن نتوقف عندها ثم نطالب بتنمية إنسانية لم نضع لها الأساس الصحيح. نريد للعربي أن يقرأ عن إدارة الوقت، وعن الاستراتيجيات، وعن العمليات، وعن شؤون الموظفين، وعن مبادئ الجودة، وغير ذلك من علوم أفقدنا انحسارها عنّا مواكبة الأمم التي تقدّمت عنا بسنوات ضوئية.


إذا نجحت إدارة المدرسة فستنجح العملية التعليمية، وإذا نجحت إدارة المستشفى فستنجح العملية الصحيّة، حتى الثّقافة التي يشتكي أهلها من تراجعها في بلداننا العربية، بحاجة إلى إدارة ناجحة.


يحتاج العربي إلى الإدارة ليتمكن من إدارة منزله ووقته وماله، ويحتاجها أيضاً ليكون أكثر انضباطاً وإنتاجاً في حياته، ويحتاجها ليكون أكثر إتقاناً وحرفية في عمله. الإدارة الناجحة ستنتج لنا سينما ناجحة، ومسرحاً ناجحاً، وجامعات ناجحة، ومؤسسات علمية وبحثية ناجحة، والأهم من كل هذا، أنها ستوجه استثماراتنا تجاه الإنسان بالطريقة الصحيحة لكي نستثمر فيه لا من أجله فقط.

 
عدد التعليقات 13
4883
 

التصنيف:
مهارة
 
كلمات البحث:
 

Cannot create an object of type 'System.Int32' from its string representation 'AllNewsCommentsUserControl1' for the 'Id' property. 
at System.Web.UI.TemplateParser.ParseString(String text, VirtualPath virtualPath, Encoding fileEncoding) at System.Web.UI.TemplateParser.ParseFile(String physicalPath, VirtualPath virtualPath) at System.Web.UI.TemplateParser.ParseInternal() at System.Web.UI.TemplateParser.Parse() at System.Web.Compilation.BaseTemplateBuildProvider.get_CodeCompilerType() at System.Web.Compilation.BuildProvider.GetCompilerTypeFromBuildProvider(BuildProvider buildProvider) at System.Web.Compilation.BuildProvidersCompiler.ProcessBuildProviders() at System.Web.Compilation.BuildProvidersCompiler.PerformBuild() at System.Web.Compilation.BuildManager.CompileWebFile(VirtualPath virtualPath) at System.Web.Compilation.BuildManager.GetVPathBuildResultInternal(VirtualPath virtualPath, Boolean noBuild, Boolean allowCrossApp, Boolean allowBuildInPrecompile, Boolean throwIfNotFound, Boolean ensureIsUpToDate) at System.Web.Compilation.BuildManager.GetVPathBuildResultWithNoAssert(HttpContext context, VirtualPath virtualPath, Boolean noBuild, Boolean allowCrossApp, Boolean allowBuildInPrecompile, Boolean throwIfNotFound, Boolean ensureIsUpToDate) at System.Web.Compilation.BuildManager.GetVPathBuildResult(HttpContext context, VirtualPath virtualPath, Boolean noBuild, Boolean allowCrossApp, Boolean allowBuildInPrecompile, Boolean ensureIsUpToDate) at System.Web.UI.TemplateControl.LoadControl(VirtualPath virtualPath) at MawhibaMainWebPart.MawhibaMainWebPart.loadUserControl()