مقالات
 
   
   
 
 

 
 
share on facebook   Tweet    
 
 
 
 
 

الرفيق الخيالي والأطفال المبدعون

الكاتب:
فريق تحرير البوابة
 

على الرغم من ازدحام المسؤوليات وازدياد مشاغل الحياة، إلا أن الإنسان تعتريه لحظات ينشد بها الخلاص من واقعه فيلجأ عندها إلى الخيال، فالخيال مَلكة لها غموض ومكنون خاص يرتبط بقوى العقل والروح والنفس، وهو قدرة الإنسان على تشكيل صورٍ متعددة ومتنوعة، ويزداد مفهوم الخيال لدى الأطفال أكثر من غيرهم من ناحية تنوع  هذه الصور الذهنية والتي تغلب على تفكيرهم كتصور الأحداث واختلاق القصص والأشخاص.  لذلك درس العلماء (موضوع الخيال) وحثوا على تحفيزه مبكراً, لأنه عامل أساسي لتطور الإبداع الفكري والإدراكي لدى الأطفال.
 من المعروف أن تدفق الخيال يبدأ منذ الطفولة، ويتميز بل وينفرد بعض من الأطفال باللجوء إلى ظاهرة "الرفيق الخيالي": وهو رفيق يتخيله الطفل ليلازمه في أغلب أوقاته، فنجده يتجاذب معه أطراف الحديث ويقضي أوقاته باللعب معه، وقد يصل به الأمر أحيانا إلى دمجه مع أصدقائه الحقيقيين. وقد توصل الكثير من الباحثين إلى أن ظاهرة (الرفيق الخيالي) قد تكون شائعة عند الأطفال فيما  دون سن المدرسة و تصل إلى قمتها في سن الأربع سنوات وتتوزع بشكل متساوي في سنوات الدراسة الأولى.  وأثبتت الدراسات التي قام بها سينجر وسينجر(,1992 Singer & Singer)  أن نسبة الأطفال الذين لديهم رفقاء خياليين تعادل 65٪ من خلال عينة تتكون من 111 طفل.
  أُجريت العديد من الدراسات المتعمقة  بهدف معرفة المزيد حول ظاهرة(الرفيق الخيالي)، فبحث سيفيج- كيركل (Seiffge-Krenke, 1997) في مجالات ثلاث تتعلق بأسباب لجوء الطفل إلى الرفيق الخيالي: السبب الأول: يعود إلى النقص أو العيب، أي هل يا ترى أن الرفقاء الخياليين يعوضون الأطفال عن بعض النواقص التي يعانون منها في بيئتهم المحبطة مثل الإحساس بالوحدة أو الإهمال. السبب الثاني: يعود إلى أن الأطفال الذين لديهم رفقاء خياليين ربما لا يتوقفون عن نقدهم لذاتهم الذي ظل يلازمهم منذ بواكير طفولتهم بسبب فقدهم لأحد أبويهم. أما السبب الثالث : يعود إلى أن الأطفال الذين يستخدمون رفقاءهم الخياليين ربما يحتاجونهم ويستخدمونهم لدعم مفهوم الذات لديهم، وذلك تمهيداً للانتقال إلى مرحلة الاعتماد على النفس والتي تلي مرحلة الطفولة.
  دراسة سويدية أُجريت أيضاً على فئة من طلاب وطالبات المدارس الذين يقرّون بوجود رفقاء خياليين، ودُرست العلاقة بين الرفقاء الخيالين وما يتعلق بجوانب الإبداع،  وحُدد مفهوم الإبداع بأنه طريقة التعامل مع العالم بشكل منتج وخلاّق وغير مسبوق، ويتمثل الإبداع فيما يبتكره هؤلاء الأطفال من صور خيالية، وأحاديث ولعب مع رفقائهم الخياليين، فمن خلال تفاعلهم مع هؤلاء الرفقاء يمارس الأطفال تفكيرهم الإبداعي. ووضحت النتائج بأن الأطفال الذين لديهم رفقاء خياليين سجلوا نسبة مرتفعة على اختبارات ومقاييس الإبداع، وأكدت الدراسة  أن للرفيق الخيالي تأثيراً كبيرا على التطور الإبداعي والفكري لدى الطفل، ويزيد من طلاقة أفكار الطفل ومرونة إدراكه ( أي سهولة انتقاله من التفكير الواقعي إلى التفكير الخيالي) ، كما تساعد هذه الظاهرة (الرفاق الخياليين) أيضاً في اكتشاف مواهب إبداعية أخرى لدى الأطفال.
  وعلى الصعيد الاجتماعي وحسب أقوال الأطفال الذين لديهم رفقاء خيالين، فإن هؤلاء الرفقاء يقدمون لهم خدمات اجتماعية تجعلهم أقدر على التفاعل داخل مجتمعاتهم. هذا وتوصل كلاً من هارتر وتشاو  (1992Harter & Chao, ) إلى أن كفاءة الطفل في الأداء يمكن أن تزيد من خلال اختراعه للرفيق الخيالي، فقد يزيد عدد الرفقاء الخياليين وقد يحمل كلاً منهم شخصية مستقلة، و يدل ذلك على أن الطفل المخترع لهؤلاء الرفقاء يتمتع بقدر كبير من الإبداع. ويؤيد آخرون بأن اللعب في عالم من الخيال "أي عالماً افتراضياً ينسجه الطفل من محض خياله يضم العديد من المباني والأشجار والأشخاص الخياليين ليلعب به الطفل" يعد اختراعاً أكثر إبداعاً.
   نعلم أن طبيعة الفروق البشرية تحتم اختلاف الاهتمامات بين الجنسين، فنجد أن الإناث يملن بفطرتهن إلى اللعب بالدمى، في حين يميل الأولاد إلى اللعب بالحيوانات. ويتصف رفقاء البنات الخياليين بالرقة والضعف، في حين أن رفقاء الأولاد يتصفون بالقوة والكفاءة والبطولة. ولدى البنات قدرة على اللعب مع رفقائهن الخياليين ومع رفيقاتهن الحقيقيات في نفس الوقت، حيث نجد بالمقابل أن الأولاد يحبذون اللعب مع رفقائهم الخياليين على انفراد. ويرى الباحثون بأنه يمكن إضافة الدمى وما شابهها من ألعاب الأطفال إلى قائمة الرفقاء الخياليين، ما أن كان يعاملها الطفل على أنها تحمل صفات الإنسان ويتعامل معها على ذلك الأساس. هذا وتجدر الإشارة إلى أن الصفات المشتركة بين الأطفال الذين لديهم رفقاء خياليين تظهر في أنهم أكثر سعادة وبهجة في حياتهم وأكثر تواصلاً مع مجتمعهم، وتغلب عليهم الصفات العاطفية والإيجابية، وأنهم أقل عدوانية من أندادهم الذين ليس لديهم رفقاء خياليين، وفي بعض الحالات قد يلجأ الطفل إلى الرفيق الخيالي لأن ليس لديه إخوة أكبر منه سناً فيعوض ذلك النقص بابتداع هذا الرفيق ليؤنس وحشته داخل البيت.
  كثير من الناس يضع في اعتباره أن الأطفال الصغار مخلوقات صغيرة غير قادرة على الإبداع والتفكير في حين تولي الكثير من الدراسات اهتماماً بموضوع الخيال عند الأطفال، ونجد العلماء اليوم يبحثون في أدق التفاصيل عن كل ما يتعلق بخيال الأطفال وتصوراتهم. فبالخيال تستثار عقول الأطفال وتستحث طاقاتهم الكامنة على الإبداع، فقد نتساهل بل ونستسهل أهمية تلك المرحلة من عمر الطفل ولا نوليها اهتماماً خاصاً فيما يتعلق بموضوع الإبداع وتطوره، بل وفي كيفية تنميته ورعايته. لكن هذه المرحلة هي الأهم والأكبر مساحة في تدفق الخيال الخصب وتفتق أذهان الصغار وذلك بلجوئهم إلى عالم اللعب الخيالي وابتكار الرفقاء الخياليين في الألعاب والأحاديث.
  من الضروري على الآباء والمربين تشجيع الأطفال في سن مبكرة على اختراع وتخيل كل ما يحلو لهم في جو مشجع ومحفز بعيداً عن السخرية أو الاستهزاء أو حتى إطلاق التعليقات السلبية. فما لنا إلا احترام خصوصية الأطفال وتقبلها.  فما تلك الخيالات إلا فلاشات محركة ومضيئة تعمل كبدايات في تعزيز وقود الإبداع لدى الأطفال، فليمرحوا وليلهوا مع (رفقاء الخيال) ومالنا إلا أن نكون فريقاً مشجعاً لهذا اللون من اللعب ومن أحاديث الذات إذا ما لوحظت.  ولا يسعنا في هذا الصدد إلا أن نتذكر قول العبقري ألبرت اينشتاين: "الخيال أكثر أهمية من المعرفة".

 

المراجع:

 Hoff, Eva V. (2005) 'Imaginary Companions, Creativity, and Self-Image in Middle Childhood', Creativity Research Journal, 17:2, 167 – 180
 Andrew S. Mahoney M.S., L. (n.d.). Its all about indenty. Retrieved 7 9, 2008, from http://www.counselingthegifted.com/articles.html
 Andrew S. Mahoney M.S., L. (n.d.). councleing the Gifted. Retrieved 7 9, 2008, from http://www.counselingthegifted.com/articles.html

 

 
عدد التعليقات 3
2917
 

التصنيف:
مهارة
 
كلمات البحث:
 

Cannot create an object of type 'System.Int32' from its string representation 'AllNewsCommentsUserControl1' for the 'Id' property. 
at System.Web.UI.TemplateParser.ParseString(String text, VirtualPath virtualPath, Encoding fileEncoding) at System.Web.UI.TemplateParser.ParseFile(String physicalPath, VirtualPath virtualPath) at System.Web.UI.TemplateParser.ParseInternal() at System.Web.UI.TemplateParser.Parse() at System.Web.Compilation.BaseTemplateBuildProvider.get_CodeCompilerType() at System.Web.Compilation.BuildProvider.GetCompilerTypeFromBuildProvider(BuildProvider buildProvider) at System.Web.Compilation.BuildProvidersCompiler.ProcessBuildProviders() at System.Web.Compilation.BuildProvidersCompiler.PerformBuild() at System.Web.Compilation.BuildManager.CompileWebFile(VirtualPath virtualPath) at System.Web.Compilation.BuildManager.GetVPathBuildResultInternal(VirtualPath virtualPath, Boolean noBuild, Boolean allowCrossApp, Boolean allowBuildInPrecompile, Boolean throwIfNotFound, Boolean ensureIsUpToDate) at System.Web.Compilation.BuildManager.GetVPathBuildResultWithNoAssert(HttpContext context, VirtualPath virtualPath, Boolean noBuild, Boolean allowCrossApp, Boolean allowBuildInPrecompile, Boolean throwIfNotFound, Boolean ensureIsUpToDate) at System.Web.Compilation.BuildManager.GetVPathBuildResult(HttpContext context, VirtualPath virtualPath, Boolean noBuild, Boolean allowCrossApp, Boolean allowBuildInPrecompile, Boolean ensureIsUpToDate) at System.Web.UI.TemplateControl.LoadControl(VirtualPath virtualPath) at MawhibaMainWebPart.MawhibaMainWebPart.loadUserControl()