طاقة تنذر بخطر المجاعة
السبب الآخر الذي يدعو عدداً أكبر من الباحثين إلى معارضة الطاقة البيولوجية هو أن زراعة الذرة لاستخراج الأثينول تستهلك الأراضي التي تُستخدم في زراعة المواد الغذائية التي يحتاجها العالم. لن يجوع الأمريكيون إذا ما تم تصنيع الفائض من زراعة الذرة بدلاً من تصديره إلى الخارج. ولكن الانخفاض الذي سيحصل في الحبوب في العالم ستنتج عنه زيادة في الأسعار. ويرى الكثيرون في ذلك أمراً غير أخلاقي. ووفقاً لدراسات ليستر براون وهو معلِّق مخضرم وناشط في مجال السياسة الغذائية، فإن كمية الذرة المطلوبة لملء خزان وقود سيارة بالأثينول البيولوجي لمرَّة واحدة فقط تكفي لتغذية شخص واحد لمدة سنة. وهو يصف الازدهار في صناعة الأثينول البيولوجي كمنافسة بين الثمانمائة مليون شخص في العالم الذين يملكون سيارات والثلاثة مليارات نسمة التي تعيش على أقل من دولارين يومياً والتي يصرف الجزء الأكبر منها -أكثر من نصف مدخوله- على الغذاء.
وطبقاً لمنظمة الزراعة والغذاء التابعة للامم المتحدة (الفاو) فإن المنافسة قد بدأت فعلاً. وتقول المنظمة إن تحويل الذرة إلى أثينول هو السبب الرئيس في الانخفاض الحاد في مخزونات الحبوب العالمية، وهو السبب أيضاً في الارتفاع المتناسب مع هذا الانخفاض في أسعار الحبوب في النصف الأول من عام 2006م. وهذا ما تردد في تقرير رُفع إلى المستثمرين في بنك غولدن ساكس في يوليو الماضي الذي تنبأ بارتفاع أسعار الذرة مع زيادة استخراج الطاقة البيولوجية. ووصف موظف كبير في الشركة العالمية شل استخدام المحاصيل الزراعية في استخراج الطاقة بينما هنالك جزء كبير من سكان العالم يعانون المجاعة بأنه غير مناسب أخلاقياً .
إن اللافت هي الكمية الكبيرة من الأرض التي تحتاجها الطاقة البيولوجية لتترك مساهمة فعالة في استهلاك الطاقة. يقول جيسون هيل وبعض زملائه في جامعة سانت بول في مينيسوتا الأمريكية في دراسة نشرت في الأكاديمية الوطنية للعلوم في يوليو الماضي إنه حتى إذا ما عمدت الولايات المتحدة إلى تحويل جميع محصولها من الذرة إلى إنتاج الطاقة البيولوجية فإنها ستفي بـ %11 فقط من طلبها الحالي من البنزين. وتقدِّر مؤسسة World Watch أنه من أجل إنتاج %10 من الطاقة المطلوبة لوسائل النقل العالمية فقط، فيجب استخدام %9 من الأراضي الزراعية في العالم.
يقول المناصرون للطاقة البيولوجية إن مثل تلك الحسابات قد تكون مضلِّلة. وإن الأسعار المرتفعة الناتجة عن زيادة الطلب على الطاقة البيولوجية سوف تشجِّع زراعة مكثفة أكبر للذرة، وامتدادها على مساحات أكبر كانت معتبرة حتى الآن غير مستثمرة. ولكن زراعة مكثفة أكثر تحتاج إلى استخدام مواد كيمائية أكثر، مما يزيد من استهلاك الطاقة والانبعاثات الغازية من البيوت الزجاجية من طن واحد من الذرة. ويشير الدكتور هيل إلى أن تمهيد وحراثة الأرض سوف يؤدي أيضاً إلى انبعاثات ثاني أكسيد الكربون مما يؤدي إلى زيادة في الانبعاثات الغازية من البيوت الزجاجية جرَّاء تصنيع الطاقة البيولوجية.
وماذا عن غير الذرة؟
هذا بالنسبة للذرة. والسؤال هنا هل ستكون النتائج أفضل مع زراعة مواد أخرى؟ يقول لورنس إيغلز العامل في وكالة الطاقة الدولية في فرنسا، إن استخراج الأثينول من قصب السكر هو أفضل للبيئة من استخدام الذرة لأنها تتجنب المرحلة الأولى في استخراج الأثينول من الذرة وهي تحويل النشا إلى سكر. ويضيف إيغلز إنه بمعيار كل ليتر من النفط بالنسبة لهكتار من المحصول وبالنسبة لتقليل انبعاث الغازات من البيوت الزجاجية، فإن قصب السكر يتفوق على الذرة.
وقد استوعب بعض منتجي الأثينول البيولوجي هذه الفكرة. ونتيجة لذلك، تضاعفت أسعار السكر العالمية خلال الثمانية عشر شهراً الماضية، وهذا ما قاله الخبير ريتشارد أوكسلي رئيس مجموعة الاستشارات الصناعية Sugar online الذي يضيف إن جميع المنتجين الرئيسين مثل البرازيل والهند وتايلاند وغيرهم يعمدون إلى تغيير زراعتهم وزرع قصب السكر .
لكن المشكلة أن الأسعار المرتفعة أخذت تدفع المزارعين لتمهيد الأراضي وزراعة قصب السكر من دون الأخذ بالحسبان الآثار البيئية لذلك. ويخشى المهتمون بالبيئة مع زيادة الطلب على قصب السكر في الأسواق العالمية أن يهرع المزارعون البرازيليون إلى اقتحام غابات الأمازون الاستوائية إما لزراعة قصب السكر نفسه أو منتوجات أخرى تم استبدالها بقصب السكر.
ضغوط السكر على الموارد المائية
وكأن هذا كله لا يكفي. فإن مزارع قصب السكر تضع ضغوطاً كبيرة على الموارد المائية لأنها زراعة تتطلب الكثير من الري. وفي البلاد التي يقل فيها المطر يعمد المزارعون إلى استخراج المياه من الأنهار أو من الآبار الجوفية. وهكذا، وبالرغم من أن الري لا يشكِّل مشكلة كبرى في البرازيل فقط، بل أيضاً في البلدان الأقل حظاً، مثل ولاية مهاراشترا الهندية، حيث يتدافع المزارعون إلى زراعة القصب ليستغلوا الأسعار المرتفعة، ولكن مزارع القصب الموجودة قد استهلكت إلى الآن حوالي ثلثي مخزون المياه في الولاية، وقد خفضت مستوى المياه الجوفية إلى ما يصل إلى 50 متراً في بعض المناطق.
يشير أوكسلي إلى أنه على الصعيد العالمي لا أحد يبدو وكأنه مهتم بكمية المياه التي يتطلبها النفط البيولوجي. فالهند تعمد إلى استهلاك موارد المياه لديها بسرعة ستؤدي إلى جفاف الآبار والحقول الزراعية أيضاً كما أنها ستخفض مستوى مخازن القمح. فبالرغم من أن قصب السكر هو أكثر أماناً بالنسبة للزراعة في البيوت الزجاجية من الذرة لصناعة الأثينول، إلا أنه أسوأ بكثير بالنسبة للكميات الكبيرة التي يتطلبها من مخزون المياه في العالم.
هل نحن مخطئون بشكل كبير بظننا أن اللجوء إلى الطاقة البيولوجية سيقودنا إلى عصر الطاقة التي تحافظ على البيئة؟