أثبتت الدراسات أن الطاقة الإبداعية لدى الطفل تكون في أوجها، خاصة ما قبل سن المدرسة، وأن هذه الطاقة تقل كلما تقدم في العمر، لذلك تركِّز الكثير من الدراسات على تنمية الإبداع عند الأطفال، وتُفنِّد الأساليب والاستراتجيات المحفزة للتفكير بطرق إبداعية.
السؤال هنا: لماذا الأطفال ؟
يتسم الأطفال بالفضول الجريء المندفع الذي لا يخشى فشلاً ولا يفهم فلسفته المعقدة. فهو يحاول السير مهما تعثر من مرة في الدقيقة، وسيتسلق الكرسي مهما كان عالياً دون أن يخاف سقوطاً، وسيمسك بالسكين -بكل عفوية- دون أن يخشى جرحاً، لذلك فالطفل أكثر ميلاً إلى الاستكشاف وبالتالي أكثر قدرة على الإنتاج الإبداعي من نظيره الراشد.
في المقابل، فإن الطفل حين يشعر أنه من العيب أن يُخطِئ في نطق كلمة، وأن عليه أن يأكل بطريقة معينة حتى لا يضحك عليه الآخرون، هنا يتوقف عن المغامرة ويفهم معنى الفشل وبالتالي ينظم إلى قائمة المقلدين- أي أنه سيتصرف كما يتصرف أخوه الأكبر، ويأكل كما علمته أمه، ولا يعبث بشيء لا يعرفه، ويلعب بألعابه بالطريقة الموصوفة في تعليمات اللعبة.
ثقافة (الفشل مصيبة)
الكثير من المجتمعات تقريباً تصفق للنجاح وتدعوا إلى المثالية، وتحارب الفشل بعيداً عن اعتباره تجربةً تُعَلم درساً وتصقل مهارةً وتُكسِب خبرة.
المدارس تكرم المتفوق والمثالي، والأب يكافئ المطيع، والأم تحتضن المؤدب؛ ولهذا يفكر الفرد عدة مرات قبل أن يقدم على أمر ما أو تجربة جديدة خوفاً من أن يفتقد ذلك الحضن وتلك الابتسامة المشجعة. وكلما كان الفرد أكثر حرصاً وأكثر طاعةً للأوامر، اعتبره المجتمع أكثر نضجاً ورشدا،ً غافلين بذلك عن كونه يزداد تقليدية ونمطية و يقل إبداعاً.
ولهذا يقول العالم النفسي التربوي د.جلاسر في كتابه )مدارس بلا فشل): " إنها المدرسة، والمدرسة وحدها هي التي تسجل على الأطفال بطاقة الفشل " ويؤيده آخر بقوله: "أنظمة التعليم علمتنا ألا نبدع".
وهم بأقوالهم تلك يؤكدون أن الآليات التقليدية التي تتبعها معظم المدارس في التعليم بالتلقين والمكافأة على الصواب و المعاقبة على الخطأ، وتجاهلها لثقافة تجربة الخطأ والصواب جميعها آليات تعيق التفكير وتعرقل الإبداع وتقود إلى الفشل الحقيقي.
(الفشل مدرسة) ثقافة بديلة!
لا شك أن الفشل محطة يتجنبها الكثير، بل ويخاف منها، وقد يحبط بسببها، وما علم هؤلاء أن الفشل مدرسة بحد ذاته إذا فهموا فلسفته جيداً وحاولوا تقبله بصورة أخرى!
والتقبل هنا لا يعني الرضا بالدونية بل هو يعني تقبله بالدرجة التي تتيح لمن فشل التعلم من التجربة وإعادة المحاولة مرة أخرى دون إحباط أو يأس أو خجل. وتبقى أسهل طريقة إلى فهم ذلك هي؛إعادة تعريفه، وتحليله، وعدم أخذه على محمل شخصي، ومن ثم تغييره و التغلب عليه.
الفاتح وقصة الفتح!
رغم كثرة المعارك الناجحة التي خاضها القادة في الإسلام إلا أن محمد الفاتح هو الوحيد الملقب بالفاتح. هل هذا يعود إلى حقيقة أن القسطنطينية هي المدينة الوحيدة التي تم فتحها طوال التاريخ؟ أم أن هذا يشير إلى أن محمد الفاتح هو الوحيد الذي افتتح مدينة إسلامية؟
بالتأكيد ليست القسطنطينية هي الوحيدة، وليس السلطان محمد هو الفاتح الوحيد، ولكن القضية تتعلق بقصة الفشل الطويلة التي واجهها الولاة المسلمين منذ أيام معاوية بن أبي سفيان مروراً بأيام سليمان بن عبد الملك في الدولة الأموية وانتهاء بالدولة العثمانية، كما تتعلق بذكاء الفاتح واستفادته من قصص الفشل السابقة وترجمتها إلى دروس تعلم منها أهمية دراسة إمكانيات العدو وأهمية الاستعداد وفقاً لتلك الإمكانيات.
ولكن الدروس الماضية لم تكن كافية لتحقيق الفتح، فقد فشل الفاتح في بداية معركته مع البيزنطيين على الجبهة البحرية، حتى أن بعض مستشاريه حاول إقناعه بالصلح!
رغم ذلك الضغط، وهذه الخسارة، ضرب الفاتح أروع الأمثلة في التعامل مع الفشل بشكل إيجابي، والاستفادة منه بطريقة إبداعية حيث أمر بنقل السفن من مرساها إلى القرن الذهبي، وذلك بجرها على الطريق البري خوفاً على سفنه من الجنوبيين. ولأن الأرض كانت وعرة فقد أمر بتمديد ألواح الخشب ودهنها بالزيت والشحم، ثم وضعها بطريقة تسهل انزلاق السفن وجرها، الأمر الذي حقق نصراً مؤزراً وفتحاً عظيماً.
لا شك أننا قد ننجح دون أن نفشل، وقد نبدع دون أن نفشل، لكن ثمة دروس لا نتعلمها إلا من رحم الفشل، فالفشل مدرسة عظيمة لا يعرف قيمتها إلا من خاض دروبها، والنجاح الإبداعي له طعم لا يدركه إلا من تذوق الفشل، ويكفينا على ذلك دليلاً بأن أكثر العظماء المبدعين الذين دونتهم كتب التاريخ وتحدثت عنهم العصور لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا بعد قصص معاناة وفشل طويلة.
"أحيانا الفشل هو الطريق الوحيد إلى النجاح، فالتخلص من عقدة الفشل هو أول خطوة نحو تحقيق النجاح، وأفضل وسيلة لتعلم الأشياء هي وسيلة تجربة الخطأ والصواب، ليس هناك أخطاء! هناك تجارب غير صحيحة!! فقط لا شيء آخر".(الحمد، فؤاد:1430)
إشارة:
ثمة حكمة بليغة تقول: "اذهب خلف حلمك مع رغبة جادة وعزم وتصميم، فإما أن تنجح وإما أن تتعلم وتكبر".