قد يكون هناك من وُلِد فعلاً وهو يحمل جينات الذكاء، وهناك من لا يحمل، وهذه حقيقة لا نستطيع إنكارها، ولكن الوجه الآخر من الحقيقة يقول أن الذكاء شأنه شأن أي مهارة أخرى يزيد وينقص وينمو ويموت، حيث أثبتت الدراسات أن الذكاء كما هو صفة يولد بها البعض فهو أيضاً قد يكون صفة مكتسبة قد يكتسبها الفرد بالتعلم والتدريب، لذلك ظهرت فلسفة جديدة تقول: "إن لم تكن ذكياً فلتصبح ذكياً"، وعلى وزن هذه الفلسفة يستطيع أي ولي أمر أن يقول لابنه: "لا تقل لست جيداً في الرياضيات، وإنما قل أحتاج فقط لبعض الجهد"، ومن ثم عليه أن يرشده إلى طرق تساعده في مذاكرة مادة الرياضيات، وتنمية قدراته لحل المسائل الحسابية.
ولأن المسألة تعد قَيَمِيَّه بحتة لا تتعلق بالرياضيات والذكاء الحسابي فقط، فإن على أولياء الأمور تبني منهجية خاصة لتعليم أبنائهم قيمة الاجتهاد والمثابرة، وأن يغرسوا فيهم منذ صغرهم حب الإنجاز والعمل الجاد، وذلك بالتأكيد لن يتم بأسلوب الأمر أو العصا أو المقارنة والجمل من قبيل "أنظر إلى أحمد إنه أفضل منك"، بل بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم "بالحكمة والموعظة الحسنة"، كما أن هناك عدة نقاط مهمة لا بد أن يربي ولي الأمر عليها طفله حتى يكتسب سمة الاجتهاد والمثابرة، ومن هذه النقاط ما يلي:
1- علم ابنك فلسفة وضع الأهداف
من المهم جداً أن يتعلم الطفل أن الساعات لا يجدر أن تمر مرَّ السحاب وأن الوقت من ذهب وأن كل فترة من حياته هي فرصة لتحقيق إنجاز معين. وحين يبدأ الطفل في استيعاب هذه الحقيقة فإن علي ولي الأمر أن يشرح لطفله ما هي الأهداف المعقولة والممكنة؟ وعلى أي أساس يحددها؟ وكيف يضع إطاراً زمنياً مناسباً لكل هدفٍ يختاره.
وسيكون من الجيد، لو قام ولي الأمر ببعض التمرينات لاختبار قدرة ابنه في جودة اختياره للأهداف ومراقبته من بُعد، فلو شعر الطفل بقرب أحد والديه سَيتَّكِل ويعتمد عليهم ويفقد الثقة في قدراته، في حين سيتعلم أكثر لو كانت مراقبة الوالدين له من بعد، كما أن ذلك سيقوي الدافع الذاتي لوضع الأهداف والسعي لتحقيقها.
بعد أن يضع الطفل خطته العامة ويُحَدِّد أهدافه، لا بد لولي الأمر أو المعلم أن يعلم هذا الطفل كيف يقوم بتخطيط وقته لإنجاز ما حدده لنفسه من أهداف. فإذا قال الطفل بأن هدفه هو " الحصول على معدل جيد في الرياضيات أو تطوير مستواه في مادة العلوم"، فعلى ولي الأمر وقتها أن ينصح ابنه بأن يخصص لمذاكرة الرياضيات من ساعة إلى ربع ساعة -حسب صعوبة المادة بالنسبة إليه- من كل الليالي الأربعة التي تسبق ليلة الاختبار، على أن يكون الهدف في الليلة الأخيرة هو أن يذاكر لمدة ساعتين كتحضير نهائي للاختبار. ويبقى أن نؤكد أنه من المهم أن تكون أهداف الطفل معقولة تناسب قدراته ومستواه وعمره، وأن يقوم هو بوضع أهدافه بنفسه حتى يتعزز الدافع الذاتي لديه، ولا يلغي هذا أهمية الدور الإشرافي لولي الأمر. وسيكون من الجميل لو كان هناك نوع من المكافأة للطفل عند إنجازه لكل هدف، وسيكون ذلك أجمل لو عَلَّمَ ولي الأمر طفله كيف يكافئ نفسه بنفسه.
2- التوثيق مطلب، والتقييم مقياس مهم، فعلِّم طفلك ذلك
لا يجب أن تكتفي بما يقوله الطفل من أهداف ويردده من طموحات، فالكلام يطير في الهواء وقد لا يعود إلى الذاكرة، لذلك تأكد أن ابنك يوثق جميع الأهداف التي يضعها لنفسه ويكتبها في دفتر مذكراته. ستكون فكرة محفزة ومشجعة لو وضعت لوحة حائطية في غرفة طفلك أو في صالون المنزل وقسمتها بحسب عدد أفراد المنزل وجعلت كل فرد يكتب أهدافه لهذا الفصل الدراسي على هذه اللوحة، وجعلت من نفسك قدوة لطفلك من خلال احترامك لأهدافك وحرصك على تحقيقها. ولتجعل هذه اللوحة مقسمة إلى قسمين مثلاً قسم للأهداف طويلة الأجل وقسم آخر للأهداف قصيرة الأجل اليومية أو الأسبوعية وتعلم أن تشير بإشارة إلى كل هدف تحققه بإشارة تميزه وأن تضع لنفسك مكافأة معينة إذا أنجزت مثلاً 85% من الأهداف اليومية، وجائزة أخرى كبيرة إذا أنجزت الهدف طويل الأجل، وتأكد أن ابنك يراقب ذلك. لا تصعب الأمور وتفكر بم تكافئ نفسك يومياً فكوب صغير من البوظة قد يفي بذلك في حال أنجزت الأهداف اليومية القصيرة الأجل. أما الأهداف طويلة الأجل فإن المكافأة عليها من المفترض أن تختلف بحسب الهدف وطبيعته.
3- ابحث عن المحفزات المناسبة وقدمها
تعرف على ما يحفز طفلك، واستفد من ذلك كجزء لتحفيزه على تحقيق أهدافه، وذلك كأن تعده بدرَّاجة إذا نفذ 85% من بنود خطته العامة. وسيكون جميلاً لو علمت طفلك كما أشرنا سلفاً كيف يُحَفِّز ذاته أيضاً إلى جانب تحفيزك له وعَلِّمه أن لا ينتظر دوماً التحفيز من الآخرين، وأن يُوجِد لنفسه دوماً أسباباً لرغبته في النجاح والاجتهاد وتحدي الصعوبات فذلك الحافز سوف يوصله إلى أهدافه بنجاح مهما تغيرت الظروف من حوله ومهما صعبت أهدافه.
4- لا تنسى الثناء فهو عملة رابحة
ادعم جهود طفلك في سعيه لتحقيق أهدافه بالإطراء والثناء عليه سواء في أسلوب تخطيطه أو في طريقة تحقيقه لهذه الأهداف وسيره المنتظم على الخطة، وقل له: "أنه سريع جداً في الطباعة لأنه قد تدرب على ذلك منذ أن كان في الصف الرابع. أو عبِّر له عن فخرك بعد قيامه بدهن غرفته بنفسه". حيث أن التشجيع الإيجابي من قبل أولياء الأمور له بالغ الأثر على شخصية الطفل خاصة ذلك الذي يسعى إلى المثالية ويخشى من ارتكاب الأخطاء، وجميعنا نتذكر بلا شك كيف كنا في طفولتنا نهاب الخطأ ونطمح لتحقيق الصواب التام في جميع الأمور وكيف أن هذا قد يلقي بعبئه على نفسياتنا ويفقدنا الثقة في قدراتنا كأطفال فالخطأ كما يقول العلماء يُمَثِّل عبئاً كبيراً على نفسية الطفل. لذا يتأكد دور ولي الأمر على إنضاج رؤية طفله من خلال الشرح له بأن الحياة تتقاذف البشر في كل اتجاه، وأن علينا أن نأخذها على علاتها، وأن نقاوم، وأن الخطأ مقبول، وأن المفروض هو عدم الوقوع في نفس الخطأ وتكراره. ومن ناحية أخرى، فإن الإطراء والثناء من قبل الوالدين يعلم الطفل بأن هناك من يقف خلفه ويدعم جهوده حتى لو لم تُكَلل بالنجاح، كما أن الأسلوب الناقد لا يعد سلبيا دائماً بل من الممكن توظيفه كأحد وسائل تعليم فلسفة النجاح.
5- أعط ابنك الثقة وراقبه عن بعد
قدم لابنك الخطوط العريضة العامة ثم اترك له حرية التصرف في تلك الحدود، واسمح له بأن يرجع لك في بعض الأمور ويستشيرك لا أن يعتمد عليك ويجعلك مديراً مدبراً لأموره، فالطفل وإن كان كثير التردد والأسئلة إلا أنه يفضل الإحساس بأن يكون مفوَّضاً بتحديد اختياراته الخاصة الجيدة والسيئة، ومثل هذا التفويض بلا شك يساهم في نضوج الطفل ويمنحه الثقة في نفسه والقدرة على الحكم على الأمور. لذا اترك الأمر بيده و وجِّه بلطف ومن بعد وذكّره بأن العمل الجاد والالتزام سوف يساعده في التوصل إلى أهدافه.
6- افعل أفضل ما تستطيع القيام به
أرشد طفلك إلى أن "يفعل أفضل ما لديه"، واطلب منه بذل كل الجهد الممكن في أداء واجباته المدرسية وإنجاز المهام الموكلة إليه، ولكن تأكد أن يكون أسلوبك مُحَفزاً لا ضاغطاً. بعد أيام قليلة، حاول أن تبحث عن التغييرات التي حدثت في مستوى طفلك بعد إدراكه لضرورة العمل الجاد وبذل الجهد، والفت نظره إليها فهذا سوف يعزز من قيمة العمل الجاد لديه ويدفعه إلى مزيد من العطاء.
خلاصة القول؛ أن قيمة العمل الجاد قيمة مهمة جداً لا بد من غرسها في الأطفال منذ الصغر لما لها من تأثير كبير ومباشر على مسيرة الطفل في جميع مراحل حياته، فالأطفال الذين لا يدركون قيمة الإصرار والمثابرة والعمل الدؤوب سرعان ما يتوقفون من أول محاولة ويقدمون لأنفسهم أنواع المبررات بأن القيام بتلك المهمة مستحيل وأن الفشل له مئة سبب وألف قصة. لذا يا ولي الأمر إذا سمعت يوماً ابنك يقول: "لا أستطيع حل مسائل الرياضيات فأنا لم أكن يوماً متفوقاً في هذه المادة." فحاول أن ترسل له رسائل إيحائية من نوع "إن لم تكن ذكياً، فلتصبح ذكياً"، كأن تقول:
• "إنني أعرف بأنك تستطيع حل تلك المسألة إذا واصلت محاولاتك".
• " لن تتوقف عن المحاولة حتى تتمكن من حل المسألة، أليس كذلك؟ إنني معجب بجهودك الرائعة".
ما تم ذكره سلفاً من إرشادات هي غاية في السهولة والبساطة لا تحتاج إلى شخصية سحرية لتنفيذها ولا طفلاً عبقرياً ليتجاوب معها، بل هي إرشادات سهلة وبسيطة يستطيع جميع الآباء تطبيقها مع أولادهم وسيرون الفرق بإذن الله.