هل تم تجاهل إحدى أفكارك يوماً ما؟ هل قيل لك أن فكرتك "سابقة لعصرها"؟
لا تبتئس كثيراً، ولا تتوقف طويلاً عند هذه الجمل ، فقد قيلت من قبلك للعلماء والمخترعين الذين غيروا وجه العالم، ولو كانوا قد توقفوا عندها، لبقينا حتى الآن نمتطي الخيول كوسيلة للتَنقُّل، ونعاني برودة الصقيع دون تدفئة.
إنَّ مثل هذه العبارات المحبطة ما هي إلا نتيجة لأساطير ومفاهيم خاطئة تمَّ توارثها عبر الأجيال بفعل التصديق العميق فقط بكل ما هو واقعيّ مَحسُوس، أو مَنطِقي مُدرَك، بعيداً عن سُحُب الخيال التي يُمكن مَنطَقتها لتصبح واقعاً.
ويكفينا الإشارة إلى أن عبارة (فكرتك سابقة لعصرها) كانت سبباً في أن يعيش بعض المخترعين والمفكرين المبتكرين حياةً قاسية، تم فيها تجاهل أفكارهم حتى إذا ا صاروا على فراش الموت قيل عنهم بأنهم عباقرة، وأُلِّفَت عنهم الكتب، وقُلِّدُوا الأوسمة، ورُشِّحوا لجوائزَ عالمية، وصنفوا من السبَّاقِين لعصُورِهم!
ولأن هذا بحق يستوجِب الرثاء والشفقة لا الثناء والإطراء، لا بد أن نتعلم كيف نستفيد من هذا الأمر؟ وكيف نستخرج الحكمة من رحم التجارب السابقة؟، لا بد أن نتساءل كيف نخرج من هذا المأزق؟ وكيف نحمي أفكارنا من أن تعيش حياة الإقصاء لمجرد أنها أفكار سابقة لعصرها كما يقال؟ والأهم أن ندرك ونعترف بأن اللوم لا يقع بكامله على الناس أو المجتمع أو مؤسسات الابتكار، بل يقع على المخترع نفسه، فهو الوحيد القادر على تسويق أفكاره، وهو المسؤول عن انتشارها، وبحسب نجاحه وكفاءته في ذلك سيكتب لاختراعه النجاح أو سيظل فكرة لن تر النور.
تأكد- الفكرة لن تبيع نفسها!
"يعتقد العديد من التقنيين أن الابتكارات ستسوق نفسها، فالفائدة الواضحة للفكرة الجديدة سيلاحظها المستفيدون، وعليه سينتشر الابتكار بسرعة. ولسوء الحظ، فإن الوضع نادراً ما يكون بهذه الصورة المتفائلة، فالعديد من المبتكرات في الحقيقة تظل محدودة الانتشار بصورة محبطة."( Rogers, 2003)
حين نسوِّق أي فكرة أو ابتكار علمي جديد ومفيد، فعلينا أن ندرك أنه من الخطأ أن نحصر أنفسنا في الإطار العلمي للابتكار ووظائفه، بل علينا أن نحاكي الجوانب النفسية والاجتماعية للمستفيدين، فتجاهل مثل هذه الجوانب هو سبب فشل الكثير من الابتكارات العظيمة، والانتباه لها –في المقابل- هو سبب رواج بعض الابتكارات الأخرى التي قد تكون أقل قيمة من ابتكارنا. فقط لنلقِِ نظرة على الإعلانات التجارية، ثم لنلاحظ مدى انتشارها، وسندرك هذه الحقيقة!
وليتعلم أحدنا كيف تتم محاكاة الجوانب النفسية والاجتماعية للناس، ومن ثم إقناعهم بالمنتج الابتكاري الخاص به، عليه أن يجيب عن الأسئلة الخمسة الآتية:
1- ما هي القيمة المضافة (الفائدة المتوقعة)؟
تذكر دائماً أن أول ما سيلاحظه المستهلك هو مالذي يقدمه المنتج الجديد من فوائد مقارنةً بالقديم؟ وتذكر أيضاً أن الفوائد التي قد ينتبه لها المستهلك، قد لا تكون نفسها الفوائد التي تراها أنت لمنتجك، وذلك إما لدوافع اقتصادية تتعلق بسعر المنتج، أو أنه مريح أكثر، أو لأنه يُجَارِي موضةً؟ / تقليداً ما، وإما لأسبابٍ أخرى، مما يُوجِب عليك دراسة السوق والمستهلك ومدى الفائدة المتوقعة بالنسبة له قبل تقديم أي فكرة.
2- ما هي التكلفة المتوقعة؟
اسأل نفسك دائماً، كم تتطلب الفكرة من جهد وتكلفة؟ إذا كانت التكلفة أكبر من الفائدة المتوقعة، فتأكد أن معظم الناس لن يجربوها. مما يتطلب إما التنازل عن الفكرة، وإما أن تتم دراستها وإخراجها بأسلوبٍ آخر.
3- هل تتطلب تنازلات؟
قبل عرض أي ابتكار، اسأل نفسك دائماً هل يخالف هذا الابتكار الأنظمة والقيم والعادات والمعتقدات الشخصية لثقافة الفئة المستهدفة. هل سيتطلب منهم عند تطبيق المنتج المرتبط بهذا الابتكار أو شرائه التنازل عن مبدأ أو قيمة أو معتقد صدقوه وآمنوا به؟ إذا كانت الإجابة بنعم، فاسأل نفسك سؤالين، هما: هل هذا المعتقد ديني صحيح؟ أم انه مجرد خرافة؟ إن كان صحيحاً وله علاقة بالدين، فلا تضيع وقتك وفكِّر بفكرةٍ أخرى، أما إن كان المعتقد مجرد خرافة فلا تتنازل، ولكن تأكد أن الأمر ليس سهلاً، ويحتاج جهداً أكبر، ودراسةً جديدةً للفكرة وأساليب تسويقها.
4- ما مدى الغموض والتعقيد؟
اسأل نفسك دائماً ذلك السؤال قبل طرح ابتكارك للسوق وقبل عرضه على أي جهة، واسأل نفسك أيضاً: كم يتطلب المنتج الجديد من التعلم ليكون تطبيقه ممكناً؟ فمهما كان منتجك الابتكاري عظيماً وفعالاً ولكنه جديد وغريب في فكرته ويحتاج تشغيله إلى تطبيق قائمة من الأوامر الصعبة والمعقدة وغير المفهومة، فثق أنه إن لم يخسر، فإنه لن ينجح النجاح الذي يستحقه.
وعليه لا بد أن تحرص أن تكون الفكرة واضحة ومبُسَّطة، أما إن كان المنتج يحتاج إلى تشغيل، فلا بد أن تكون خطوات تشغيله سهلة ومختصرة، حتى يحقق الابتكار القبول أولاً، ومن ثم مستوى الرواج والانتشار الذي يستحقه.
5- هل بالإمكان تجربته؟
تذكر دائماً أن معظم الناس يشعرون بالخوف من الجديد، وبالشك تجاه كل حديث ومستحدث، لذا تعد العينات والهدايا المجانية والعروض من أنجح الأساليب لترويج أي منتج جديد، فقد أثبتت التجارب أنه كلما كانت تجربة المنتج سهلة ومتاحة، كان انتشاره أسرع. ولذلك تتيح بعض شركات السيارات لعملائها تجربة قيادة أي سيارة من سياراتها قبل شرائها، كما تحرص بعض الشركات الأخرى على تقديم عروض مرئية لأسلوب وطريقة عمل المنتج.
ما نخلصُ إليهِ أخيراً، هو أن نؤكد لكل مُبتَكِر مُؤمِن بابتكاره، ومُتَيَقِّن من صحة فرضياته، بأنه من الطبيعي أن يتم رفض أو تجاهل أي ابتكار إذا كان غريباً أو غير مفهوم أو غير واضح، ومن الطبيعي أيضاً أن يتم قبول الابتكار في ثقافةٍ ما ورفضه في ثقافةٍ أخرى، وأن ينتشر في عصرٍ دون آخر. كما يجب أن نؤكد بأن الواجب على المبتكر في وضعٍ كهذا ليس قذف ابتكاره في المحيط، بل إعادة النظر فيه، وان يسأل نفسه الأسئلة الخمسة السابقة، ثم يجيب عنها ويُقيِّم نفسه ويُعيد صياغة ابتكاره كما يجب.