زحام في الطرق، مهام معلّقة في العمل، واجبات في المنزل، وهذه معلومات ترغب بالاطلاع عليها، وتلك أماكن ترغب بزيارتها، وهؤلاء أقرباء لهم حقوق، وأصدقاء اطلت عنهم الغياب..
تراجع أهدافك، انجازاتك، خططك، ما حققته، وما ترغب بتحقيقه، وتجد أن الوقت والعمر مضيا وأنت لازلت في مكانك.
كلنا مرّ بذلك، ولا يزال، فهل ضجيج الحياة وزحامها وسرعتها سرقتنا من أنفسنا فعلاً؟
يقول الكاتب (ياسر حارب 2011) : " يمضي بعضنا على عجل، دون أن يدري لماذا، وحتى متى، حياتنا منسحقة تحت شعارات جوفاء، وفوق هذا السعي المشتَّت، تزيد التكنولوجيا من شتاتنا الاجتماعي".
فما كان من المفترض أن يساعدنا، أصبح الآن يعزلنا أكثر عن الحياة، ويلهينا عن تحقيق غاياتنا..
لكننا نعرف أن نقد واقعنا فقط لا يكفي، بل يجب أن نفعل شيئاً حيال ذلك، ننقذ به أرواحنا وعقولنا وإرادتنا من ضغط الحياة.
التأمل سبيل المفكرين
قال عزّ وجلّ: {إنَّ في خَلقِ السَّمواتِ والأَرضِ واختِلافِ اللَّيلِ والنَّهارِ لآياتٍ لأُولي الألبابِ(190) الَّذين يَذكرونَ الله قِياماً وقُعُوداً وعلى جُنُوبِهم ويَتَفَكَّرُونَ في خَلقِ السَّمواتِ والأَرضِ ربَّنا ما خَلَقتَ هذا باطلاً سبحانكَ فَقِنَا عذابَ النَّارِ(191) -آل عمران-
التأمل عبادة، وهو خلق الأنبياء، حيث كان سيد الخلق صلى الله عليه وسلم معتزلاً متأملاً في غارٍ منعزل حين نزل عليه الوحي، وكذا شأن الأنبياء، الذين عرفوا كيف أن التأمل يجعلك في مواجهة مع نفسك، ترفع عنها ما يؤذيها ويقلقها، ويفتح لك نوافذ كانت مغلقة، وأبواب ظننتها مسدودة، التأمل خلاص وراحة، فكيف إن عملته بنية العبادة؟!.
تأمل ابراهيم
قال تعالى: { وكذلك نُري إبراهيمَ مَلكُوتَ السَّمواتِ والأَرضِ وَلِيكونَ من المُوقنين(75)}- الأنعام-
عرف عن ابراهيم عليه السلام حججه القوية لقومه، لقد كان يقارعهم بأفكاره القوية المنطقية، وهذه نتيجة طبيعية، لمتأمل قضى عمراً يتأمل ملكوت الله وآياته، واستخدم هذه القدرات العقلية التي صفّاها التأمل ونقاها وركزها في خدمة أهدافه، والوصول لغاياته، ولنا في أبينا ابراهيم أسوة حسنة.
رياضة الجسد، رياضة العقل
إذا كنا قد اقتنعنا، أن التأمل يساعد على التركيز، وتحديد المراد من الأهداف، والبعد عن تلوث النفس بالضجيج والسرعة والضوضاء، فالجسد يحتاج أيضاً لنصيبه، من الغذاء والحركة، العقل يرتاح بالتأمل، وكذا الجسد يرتاح بالتأمل والرياضة الخفيفة السلسلة التي تبعد عنه ما يشحنه من توتر وقلق، وتعب وإرهاق، إن رياضة اليوغا على سبيل المثال، تعتبر مثالية للتخلص من ذلك وشحن الجسد بالهمة والعقل بالصفاء والهدوء.
فاليوغا القديمة ليست مجرد رياضة فقط، بل إنها جملة من التمارين والخطوات التي تساعد على التركيز وبناء الذات وقوة التحمل والصبر، لذا ننصح أن لا تكون اليوغا مجرد حركات رياضية، بل اطلاع على أساليب التأمل والاستفادة منها.
انتبه لما حولك
إن تسليمك للخالق، وأداء العبادات بانتظام وطمأنينة، وتخطيط أهدافك ورؤيتك بروية وصفاء ذهن، تستلزم المزيد من الأدوات التي نتوق لتقديمها لك في هذا المقال، بحيث تتظافر جميعاً وتستفيد منها لخلق رؤيتك الخاصة في التأمل الذي يغير حياتك.
"انتبه لما حولك" هي عبارة جيدة، فالعالم الفيزيائي الفرنسي الحائز على جوائز علمية عديدة سيباستيان باليبار2006، هو في الحقيقة مولعٌ جداً بركوب الدراجة، إنها تمنحه الصفاء الذي يحب، وتبقيه قريباً من الفيزياء التي أفنى عمره في دراستها وسبر قوانينها، يقول سيباستيان: " إذا كنت على الدراجة الهوائية، فأنت تتمكن من تحريك جسمك في جميع الاتجاهات، وإذا ابقيت عصاً عمودية بتوازن على أصبعك فأنت تستخدم ما حولك من هواء وجاذبية، أنا لدي انطباع أنه في الحياة، الأمر مشابه، نحن مثل شيء واقف يرغب في أن يسقط، لكننا.. نجري.. نجري لكي لا نسقط ! ".
اقرأ، فهكذا تغيّر أسلوب حياتك
بعض الكتب تخبرك الكثير عن الحياة، وبعضها تخبرك الكثير عن الناس، الكثير الذي ربما بمعاشرتك الطويلة للناس فأنت لا تحصل على هذا المقدار من الخبرة، وزيادة على الحصول على المعلومات والخبرة، فالقراءة ترتبك من الداخل، ترتب أفكارك حين ترى كيف أن الكاتب يرتب أفكاره وينسقها ويعرضها عليك، يقول الدكتور سلمان العودة: " القراءة هي التجول في عقول الآخرين دون الاضطرار إلى تحمّل رعونتهم".
وذكر صاحب الكتاب الصغير الشهير 8" دقائق من التأمل" الأمريكي فيكتور دافيش، أن أكبر مايحث الناس على التأمل والاسترخاء، أنهم يقرؤون، يقرؤون الدراسات العلمية، ونتاج العقول، ثم يقولون لأنفسهم أنهم يستطيعون فعل ذلك لو استرخوا جيداً وتأملوا ماحولهم.
إذا.. فالمعادلة هي.. امضٍ في حياتك.. تأمل.. تلقى المعلومات.. تصل لما تريد!.
استعد نفسك، استعد حياتك
التأمل يصل بك إلى أعماقك، وإلى أعماق ما حولك، ينهي خوفك من مضي الحياة بلا تحقيق ما تريد، ويجعلك تعود للسيطرة على الأمور مجدداً، يقودك إلى "الإطمئنان" الذي يساعد فيه عدة أشياء منها :
• التفاؤل، فما مضى قد مضى، والأفضل فقط هو القادم.
• الحماسة، أوقد الحماس بداخلك دوماً بتحديات جديدة.
• التحدث بإيجابية، والتحدث عن النجاح، وبث الروح الجميلة فيك و فيمن حولك.
• انسجم مع نفسك، ومع الآخرين، انسجم مع بيئتك، مع عملك وواجباتك، أوجد نقاط المشاركة والأشياء الإيجابية.
• التجديد، جدد بشكلك ومعلوماتك وكلامك، جدد ما حولك، غامر، اطلع على الجديد وادع غيرك له.
• المشاركة، فأنت انسان قبل كل شيء، شارك الغير طاقتك الإيجابية، شاركهم رؤيتك وطموحك، وشجعهم على ما يشاركونك به، تعاطف وامنح الآخرين فهذا يجعلك في غاية الهدوء والسعادة.
• خطط، التخطيط يجعلك تعرف ما تريد، وكيف تريده، ومتى وأين، وذلك يريح عقلك، ويعطيك مساحات للمراجعة والتصحيح والمرونة.
• كن صادقاً مع نفسك، واجه اخطاءك، واجه مخاوفك، استعن بأصدقاءك وأهلك لدعمك حين تخفق في بعض الأشياء.
• ركز على نفسك، فهي الوحيدة الباقية معك طول الحياة، لذا فنفسك تستحق الرعاية والاهتمام وعدم الضغط والسلبية.
• تعلم النسيان، والمضي قدما، والضحك على أخطاءك، وكن ذا روح رياضية.
• لا تشغل نفسك فيما ليس لك يد فيه، فالسياسة والصراعات لن يكون حلها بيدك، هي مهدرة لطاقتك وتركيزك، وقد حذرت دراسة أمريكية حديثة 2012" في جامعة ماساتشوستس أمهرست " أن النوم مباشرة بعد مشاهدة الأخبار الدموية أو الأحداث المزعجة مضر بالصحتين النفسية والجسدية.
أحب ما تعمل، لتعمل ما تحب
هذا عنوان فصل في كتاب رائع للمؤلف بوب روتيلا، يتحدث عن أن الحياة ليست لعبة كمال، فالحياة فيها الصعود والهبوط، والإحباط والنجاح، ومن أهم ما ذكره روتيلا، أن محبتك لما تؤديه في حياتك أياً كان لن يجعل حياتك أسهل فقط، بل سيوصلك فيها للتميز والنجاح فيما تعمل.
وأورد أمثلة كثيرة كيف أن بعض الأشخاص لا يحبون في الأساس ما يعملون، وأنهم أمضوا عمراً في التذمر والإحباط، ثم أدركوا أن هذا قدرهم، فتصنعوا محبة ما يعملون، ثم وجدوا أن هذا التصنع تحول لحقيقة بحكم العادة، فوصلوا للنجاح، وأصبحوا لا يرغبون أبداً بترك ما كانوا يتذمرون منه !
تذكّر!
"ستجد السلام، في الوقت الذي تعقده فيه مع نفسك" ميتش البوم-كاتب أمريكي2003