عبر التاريخ البشري الطويل كانت الجاذبية لغزاً لا سبيل إلى التعامل معه. وتساوى في غموض هذا اللغز العلماء والجهلاء، ولم تكن لأحد على أحد من ميزة في بحث أو تساؤل أو حيرة. وبقيت الجاذبية/ اللغز على حالها إلى أن سقطت تفاحة أمام عينيّ إسحق نيوتن..!

سقوط التفاحة أيقظ «ملاحظة» لدى العالم الكبير، وبفعل عبقرية هذه الملاحظة تغيّر فهم البشر للجاذبية الأرضية، وبدأ الإنسان يعرف قانون الجاذبية على نحو علمي لم يكن موجوداً قبل «تفاحة» نيوتن.

 
وهناك مثال آخر على عبقرية الملاحظة، فعالم الرياضيات القديم أرشميدس، حينما أمره الملك أن يفرق بين تاج مصنوع من الذهب الخالص وتاج آخر مصنوع من الذهب والنحاس. وفيما كان يستحم اكتشف أن الماء يرفع جسمه، فاستطاع أن يتعرف على التاج الذهب بمقدار الماء الذي يزيحه التاج الذهبي، ومقدار الماء الذي يزيحه تاج الذهب والنحاس.. وهذا ما بات يُعرف بـ «قانون الطفو».

 
ومثلما تتعاظم أهمية «الملاحظة» في العلم والمعرفة؛ فإنها تأخذ أهميتها أيضاً في الحياة اليومية.؛ كثير من الأمور تحدث أمامنا من دون أن نلتفت إليها بالملاحظة الدقيقة، على الرغم من أن أساس العلوم هو ملاحظة العلماء.

 
الملاحظة لا تخدم العلم فقط؟ لا. إن الملاحظة الدقيقة تخدم مناحي الحياة التي من حولنا. والملاحظ الذي يدقق فيما يجري من حوله يحمل ملكة هي «عبقرية الملاحظة».  ولنضرب الآن أمثلة من حياتنا اليومية على ذلك..

 
في الرياضة تتنافس الأندية الرياضية في الفوز بالبطولات، ولتحقيق ذلك الفوز تحتاج إلى الموهوبين وبذلك يبدأون بملاحظة الأطفال ملاحظة متأنية من أجل اكتشاف موهوبين فيهم. ومثل هذه الملاحظات الذكية تساعد على تقدم الفرق لأنها تبني قواعد بشرية لرفد الفرق.

 
في الحياة الأسرية إذا لم يدقق ولي الأمر في كافة الأمور والتغيرات التي تطرأ على أفراد أسرته فيتدخل في الوقت المناسب ليمنع الأمور السيئة، ويحفز الأمور الجيدة، فإن الأسرة يمكن أن تصاب بأمراض اجتماعية.

 
في الحياة العامة، يمكن أن يلاحظ المرء الكثير من الظواهر التي تحدث، فإذا مر عليها مرور الكرام فقد تتحول إلى مشكلات مزمنة يصعب التعامل معها. الملاحظة المبكرة لها، ورصدها ووضع حلول مناسبة يقود إلى منع مفاسدها في المستقبل.

 
ولا نبالغ حين نقول إن أحد أسباب تقدم الأمة وازدهارها هو شدة انتباه أبنائها وملاحظة كل ما يدور حولهم والرصد الصحيح فتتقدم الأمة وتزدهر.
 

وأساس قوة الملاحظة الانتباه، والانتباه يأتي حينما يعمل كل إنسان في المهنة التي يحبها دون إجبار من أحد. وهذه هي النقطة الأساسية التي نكتب مقالنا من أجلها. ونقول لكافة أبنائنا، وزملائنا ناصحين: اعملوا في المهن التي تحبونها طالما كانت شريفة. فأساس المجتمع هو التكامل بين أجزائه في العمل، وحينما يعمل الإنسان في المهنة التي يحبها يحدث لديه الاتزان النفسي، فترتفع قوة الملاحظة لديه وعندما ترتفع قوة ملاحظته يحظى بعبقرية الملاحظة، فيلاحظ كل أمر من حوله حتى ولو كان صغيراً،  وإذا ارتفعت لدينا قوة الملاحظة وتحولت إلى عبقرية الملاحظة، أسهمنا في ازدهار واقعنا وتعاونا على حل مشكلاتنا بحلول عبقرية جديدة غير مألوفة، وهو ما يعود علينا أيضاً في تحسن وتطور الحالة الاجتماعية للإنسان وارتقائه وازدهاره، وتعزيز مكانته الاجتماعية.