هناك من يشغل منصباً قيادياً في أحد المنظمات لكنه سرعان ما يُطيح بالمنظمة إلى مستوى ما تحت الصفر. في حين أن هناك آخرون يتولون قيادة مؤسسات صغيرة لكنهم سرعان ما يقفزون بها إلى مستويات عالمية. هذا الأمر حير العلماء وجعلهم يتساءلون:
ما الذي قد يجعل من القائد أكثر نجاحاً وفعالية؟
للبحث عن إجابةٍ لمثلِ هذا التساؤل، ظهر توجه قيادي يدعو إلى توظيف "الذكاء العاطفي". وتم تعريف هذا النوع من الذكاء بأنه " اتحاد عدد من القدرات والكفاءات تساعد الفرد على إدارة وضبط مشاعره والحكم على مشاعر الآخرين والتأثير على آرائهم".
وهذا النوع من القيادة يشبه القيادة التحويلية، وذلك من حيث اعتنائها بانجاز العمل بإنتاجية كبيرة، ومعايير جودة أداء عالية من قبل أشخاص يتمتعون برضا عالي والتزام بالمهمة.
كيف يكون القائد ذكي عاطفياً؟
ولكي يتمتع القائد بذكاء عاطفي لا بد أن تتوفر فيه عناصر الذكاء العاطفي الخمسة، وهي:
1-الوعي الذاتي: ويقصد به القدرة على معرفة وتفهم الشعور والمزاج الشخصي ودوافعه، والقدرة على توجيهها بالقدر الذي تؤثر فيه على الآخرين. ويتسم صاحب الوعي الذاتي بالثقة بالنفس والتقييم الواقعي للذات.
2- الضبط الذاتي: وهو القدرة على ضبط أو إعادة توجيه المزاج أو الدوافع نحو التفكير قبل التصرف واتخاذ الأحكام. ويتسم صاحب الضبط الذاتي بالنزاهة واستحقاق الثقة والقابلية للتغيير.
3- التحفيز: وهو القدرة على الترغيب في العمل بغض النظر عن الأجور والمناصب، وإثارة الميل إلى المناضلة من أجل تحقيق الأهداف بحماس وتصميم، ويتسم القائد المحفز بالرغبة القوية في تحقيق التفاؤل حتى لو كانت النتيجة الفشل.
4- التعاطف: هو القدرة على فهم سجايا الناس العاطفية والمهارة في التعامل معهم بما يناسب انفعالاتهم العاطفية. ويتسم صاحب هذا العنصر بمهارته في بناء وإبقاء العلاقات، والوعي الدقيق بالاختلافات الثقافية، والقدرة على العمل في مجال خدمة العملاء.
5- المهارات الاجتماعية: ويقصد بها الجودة في إدارة العلاقات وبناء الشبكات الاجتماعية وإيجاد أرضية مشتركة وألفة. ويتسم أصحاب هذه المهارات بالفعالية في قيادة التغيير والقدرة على الإقناع والمهارة في بناء وقيادة الفريق.
إن عناصر الذكاء العاطفي الخمسة الأنفة الذكر تتضافر لتؤثر على الأداء القيادي تأثيراً ينعكس على أداء الأفراد القادة بوجه خاص، وعلى الأداء المؤسسي بشكل عام، فقد ثبت أن الذكاء العاطفي يشكل 85% من أسباب زيادة فعالية الأداء القيادي.
بين القائد الأوتوقراطي والقائد الذكي عاطفياً.. تكمن المفارقة:
لقد قامت باتريسيا بيتشرز (Patricia Pitcher’s- 1999) بدراسة وضع مؤسستين تجاريتين؛ الأولى كان قائدها يتمتع بذكاء عاطفي، في حين أن الثانية كان قائدها ذكياً ولكنه أوتوقراطياً يتبع الأساليب الإدارية الأوتوقراطية المتسلطة والمركزية.
بعد خمس عشرة سنة استطاع القائد الذكي عاطفياً أن يجعل رأس مال الشركة يساوي 20 بليون دولار، في حين أن القائد الثاني قد تسبب في خسارة الشركة حتى وصلت إلى الإفلاس التام بعد ثلاث سنوات فقط من توليه منصب القيادة.
ومن خلال المتابعة، اتضح أن القائد الأول كان يتسم بمعظم السمات المرتبطة بالذكاء العاطفي؛ مثل التقويم الذاتي الدقيق وهو ما يعرف بالوعي الذاتي، وظهر ذلك من خلال قدرته على معرفة حدود قدراته ومدى قوته. فقد أحاط نفسه بأناس لديهم القدرات التي تنقصه من الفنانين والمهره. وكان واثقاً من نفسه يحلم ويتبع أحلامه ويبتكر. كما أنه كان منفتحاً متقبلاً للأفكار الجديدة ويتعلم باستمرار كل جديد حيث اتضح ذلك من خلال أسئلته التي كان يطرحها في اجتماع مجلس الإدارة واستماعه للإجابات باهتمام، إضافة إلى ذلك كان يتميز بالعاطفة نحو الآخرين.
جميع ما تقدم من السمات التي تميز بها ذلك القائد الناجح تعد مؤكداً على أن الذكاء العاطفي يشكل عاملاً مساعداً للقائد في جذب الناس وإقامة علاقات رائعة مع الموظفين والعملاء والمستثمرين. كما أنه يساعد القائد على إثارة الحماس داخل محيط العمل ويعطيه رؤية مستقبلية مركزة على هدف معين ويفتح أمامه أفاق التفكير. إضافة إلى أنه يساعده على تطوير موظفيه والاحتفاظ بمختلف علاقاته ويجعله قادر على حل المشكلات بطرق إبداعية جديدة وحديثة.
إن القائد الذكي عاطفياً دائما يحيط نفسه بموظفين موهوبين، كما أن إدارته غير المركزية تفتح المجال لموظفيه الموهوبين بالتعبير عن أفكارهم بطريقتهم الخاصة.
في المقابل، فإن القائد التحليلي (الذي لا يتمتع بذكاء عاطفي) يميل إلى القيادة المركزية، خاصة في صناعة القرار، بل ويحدد طريقة معينة لأداء العمل.
قد يتساءل البعض؛ كيف تنهار شركة ما، إذا كان قائدها ذكياً؟ والإجابة بحسب ما يراه العلماء تعود إلى أن فشل الشركة كان بسبب مناخ العمل فيها، فإذا لم يحترم القائد مشاعر الآخرين فمن الأفضل له أن لا ينتظر النجاح.
فمن الصعب نجاح الشركة أو أي منظمة إذا كان الموظف فيها يحاسب على كل خطأ، لأن هذا يعني أن الموظفين لن يفكروا في أي فكرة ابتكاريه خشية الخطأ.
كما أنه من الصعب أيضاً نجاح أي منظمة دون أن يتم فيها غرس قيم مثل؛ الوفاء والانتماء والتفاني والإخلاص والمهارة والعطاء والقدرة على الخيال والأحلام.
لهذا لا بد على القائد أن يسمع بالأذن الثالثة وأن يعي مشاعر موظفيه ويعرف كيف يتعامل معها ويقدرها، فالعديد من المدراء يفشلون لأنهم لا يجيدون إقامة العلاقات كما أنهم لا يتكيفون مع المتغيرات في بيئة العمل.
كما أن المدراء الذين لا يستطيعون استقبال ردود فعل وتغذية راجعة فلن يكونوا قادرين على تحديد حاجتهم لتغيير إجراءاتهم القيادية. وقد قال العلماء بأن انخفاض معدل الذكاء العاطفي لدى القائد يكسب الأفراد داخل الشركة أو المنظمة المشاعر السلبية كالخوف، الغضب، والعدوانية. وهذا بدورة يؤدى إلى استهلاك قوة هائلة من طاقة الأفراد، وانخفاض الروح المعنوية، والغياب عن العمل، مما يؤدى إلى سد الطريق في وجه العمل المنتج الفعال.