يعد الطلبة الموهوبين ثروة نفيسة بالنسبة لأوطانهم، فهم يشكلون مصدر عطاء وإسهام متميز، وفي نفس الوقت يشكلون تحدياً صعباً بالنسبة لوالديهم ومعلميهم ، لذا فإن الحصول على فرص تعليمية وتربوية تتلاءم مع قدراتهم واستعداداتهم تعد من أبسط حقوقهم، كذلك فإن للموهوبين احتياجات نفسية واجتماعية خاصة بهم، فهم بحاجه للتعايش مع المجتمع المحيط بهم، و المسؤول عن حمايتهم من التعرض لمشكلات تكيفيه في غاية الخطورة. فلا بد من المحافظة عليهم واحتواء مشكلاتهم من خلال الإرشاد والنصح والتفهم والرعاية وتوفير كل ما بشأنه تطويرهم . هذا، ومن المؤكد أن المجتمع هو من يضمن المحافظة على استثمار ثروة الموهبة وحمايتها.
يواجه الموهوبين العديد من المشكلات التي تتعلق بهم وبموهبتهم، والتي تقودهم إلى أكثر الحالات الشعورية تهديدا،ً ألا وهي الشعور بالإحباط والعزلة الاجتماعية والخوف الشديد، وفيما يلي سنتطرق لبعض المشكلات الانفعالية والاجتماعية،التي يعاني منها الموهوبين، وهذه بدورها قد تؤدي إلى إحباط الموهوبين وتراجع قدراتهم،أو اندثار موهبتهم، لذا فلا بد من التعرف على هذه المشكلات والوعي بها، لتساعدنا في فهمنا للموهوبين وكيفية تقديم المساعدة المناسبة لهم .
من مشكلات الموهوبين:
• الحساسية المفرطة: يعاني الموهوب من انتقاد دائم لذاته، فهو شديد المراقبة لأعماله وسلوكياته، ويتألم في داخله عندما يقع في الخطأ، ويُحمّل نفسه دائماً مسؤولية أخطاء الآخرين ومشكلاتهم. هذا، وقد يحدث أن يشعر الموهوبين بظلم من قبل المجتمع غير مبرر له، كما أنهم يشعرون بأن المجتمع يتجاهل وجودهم، لذا منهم قد يتعرّضون لمستويات عالية من الإحباط. (Maureen Neihart,2002)
• تعدد الاهتمامات والقدرات: يميل الموهوب غالباً إلى تعليم الكثير من المجالات، فهو لديه رغبة كبيرة في عمل كل الأشياء وتعلمها في آن واحد. كذلك أثبتت الأبحاث أن الموهوبين قادرين على شغل أكثر من مجال في مهنة المستقبل، ما لم يحصلوا على الاستشارات المبكرة والتوجيه، وذلك بسبب تعدد اهتماماتهم واستعداداتهم وقدراتهم، مما يتيح لهم فرص مهنية متعددة، وهذا يؤدي بهم في النهاية الى صعوبة اتخاذ القرار الصائب فيما يخص مستقبلهم المهني. بالإضافة إلى ما سبق فإن الموهوبين غالباً ما يوصفون (بمدمني العمل)، والذي قد يؤدي بهم إلى العزلة الاجتماعية والإحباط والخوف من الفشل.
• المثالية الزائدة والسعي نحو الكمال: إن سمة الكمال عند الموهوبين تشبه البناء المتعدد الأبعاد، فهذه السمة تشكلها مجموعات من الأفكار المركّبة والسلوكيات المرتبطة بالتوقعات العالية، والتي يتوقعها الشخص الموهوب من ذاته، و كذلك يتوقعها من الآخرين.
يؤدي السعي نحو الكمال إلى سوء التكيّف النفسي لدى الموهوبين، فهم يضعون لأنفسهم معايير وتوقعات عالية قد لا تتناسب مع قدراتهم للوصول لمستويات عُليا، ويرغبون دوماً بالإنجاز الكامل والمتميز، مما يسبب لهم حالات من القلق قد تؤدي بهم في أغلب الأحوال إلى الشعور بالإحباط.
هذا ويفسر برن ، مفهوم مناشدة الكمال على أنه نوع من السلوك المتمثل في السعي الاندفاعي والمتهور من أجل أهداف أشبه ما قد تكون بالمستحيلة، حيث يقيس الموهوبين قيمة الذات لديهم حسب الإنجاز والإنتاج الذي يصلون إلية . أيضاً، ويبدو سعيهم نحو التمييز أداة لقهر الذات، والتي يترتب عليها عواقب وخيمة كونها من أخطر العوامل المسببة للإحباط .
• التوقعات العالية من الوالدين:غالباً ما يتوقع الوالدان أن يبَّرع أبناؤهم الموهوبين في شتى مجالات الانجاز، وهذا مربك للموهوب ويعيق تقدمه. كذلك فإن الضغوط الموجهة من الأهل تؤدي إلى ضغوط أخرى تنتج عن شعور الموهوبين بعدم الإيفاء بمتطلبات آبائهم نحو الأداء العالي، وهذا بدوره يؤدي بالموهوبين إلى الخوف المبالغ فيه من الفشل، بالإضافة إلى التقييم السلبي للإنجازات والأعمال التي يقومون بها.
• العزلة الاجتماعية: ترتبط العزلة الاجتماعية غالباً بالموهوبين الذين يعانون من مزاج مكتئب، وتؤدي في كثير من الأحيان إلى الشعور بالإحباط ،حيث ترتفع معدلات العزلة الاجتماعية عند فئة الطلبة الموهوبين الذين يتمتعون بمعدلات موهبة عالية، حسب تصنيف هولنغوروث و الذي حددته بمعدل ذكاء أعلى من 160 ، فهم يتعرضون للكثير من المشكلات الاجتماعية، و أهمها العزلة الاجتماعية، خاصة إذا تعرض الموهوبين لبرامج تسريع خاصة في المرحلة العمرية ما بين 4-9 سنوات. (Gross, 2000).
على الرغم من أن الأبحاث والدراسات في مجال الموهبة والإبداع لم تؤكد حتى الآن معدلات منخفضة أو مرتفعة من الشعور بالإحباط بين الطلبة الموهوبين بشكل عام، إلا أن المشاهدات العامة تشير إلى تفشي هذه الظاهرة بينهم، والتي نبهت لازدياد معدلات الشعور بالإحباط بين الموهوبين سواء من الأطفال أو المراهقين . (Neihart, 2002).
طرق الوقاية:
تأتي أهمية تلبية الحاجات النفسية والاجتماعية للموهوبين من خلال وضع برامج تعليمية وتربوية بالإضافة إلى البرامج الإرشادية التي تساعد على الإيفاء بهذه الحاجات، وبالتالي وقايتهم من المشكلات التي قد يتعرضون لها، وهناك برامج ثبتت فعاليتها مثل (برامج تعليم التفكير وبرامج تطوير مفهوم الذات، وبرامج مهارات الاتصال والقيادة وغيرها) من البرامج التي تدعم تطور الشخصية عند الموهوب وتساعده على التكيف الاجتماعي مع الآخرين ،جنباً إلى جنب مع البرامج التعليمية الأكاديمية.
إن جميع البرامج سابقة الذكر تؤهل الموهوب ليكون عضواً فعالاً في المجتمع راضياً عن نفسه متعايشاً مع العالم من حوله ، لذا فإن الدعم الذي يحصل عليه الموهوب سواء من البيئة المحيطة به (وتتمثل في أسرته) والمحيط الخارجي (المتمثل في المدرسة) يُمكن أن يلعب دوراً فعالاً في التقليل من حدة الإحباط الذي يتعرض له ،و يساعده على سهولة التكييف . هذا، وأقترح فورد أن يتخذ المربين والباحثين خطوات مستمرة وجادة لتقوية العلاقة ما بين مجتمع الأسرة والمدرسة، من أجل توفير الدعم للموهوبين في سياقات مختلفة تضمن تلبية الحاجات الانفعالية والاجتماعية لهم ، وتؤهلهم للمضي نحو النجاح والانجاز (Mueller, 2009).
استشر الخبراء!!
هذا ولا نغفل أهمية الرجوع للمختصين للأخذ برأيهم حول اكتشاف الموهوبين ورعايتهم، والحصول على إرشادات مختصة تساعد المعلمين وأولياء الأمور على التعامل مع مشكلات الموهوب من أجل توفير الدعم اللازم للموهوب داخل المنزل والمدرسة، ومن أهم الخدمات الإرشادية للموهوبين خدمة (شاور) الخاصة بتقديم استشارات تربوية ونفسية واجتماعية خاصة، لتوجيه وإرشاد الموهوبين وأولياء أمورهم وكل من يهتمّ بقضاياهم من معلمين وتربويين. وتهدف هذه الخدمة للمساعدة في فهم طبيعة الموهبة وخصائصها وكيفية رعايتها وتطويرها ..