يعد التفكير الإبداعي من أهم العمليات الفكرية لدى البشر لارتباطه المباشر بحل المشكلات الحياتية في الكثير من المجالات التي تتمحور عليها حياة الإنسان، ويُعرف التفكير الإبداعي عند البعض على أنه مقدار وجودة الطلاقة الفكرية. ورغم تقديم العديد من الدراسات والبحوث التي تتحدث في هذا المجال، إلا أننا نستشف نوع من الشح في البحوث التجريبية حول الإبداع وكفاءة المدرسين تحديداً في التعليم العالي والتي غالباً ما تعود إلى صعوبة تعريف وقياس تلك الكفاءة، والاعتماد غالباً في التقييم على تقييم الطلاب أنفسهم لأساتذتهم كأساس لقياس الكفاءة والإبداع لدى المدرس الجامعي في التعليم العالي.
تمت "دراسة التفكير الإبداعي كمؤشر لكفاءة المدرس" في إحدى الجامعات الكبيرة من خلال أخذ عينة من ( 58) مدرس بمرحلة الإعداد الجامعي، وتوصلت نتائج الدراسة إلى وجود علاقة وطيدة بين التفكير الإبداعي وكفاءة المدرس، كما وجِد بأن غياب العلاقة بين التفكير الإبداعي وتقييمات الطلاب تعود إلى أن تقييمات الطلاب لم تكن تحوي أرآهم حول الإبداع.
وأشارت نتائج البحث إلى الفوائد الناتجة عن إقامة ورش العمل قبل وأثناء الخدمة لتعزيز القدرات الإبداعية لدى المدرسين وضرورة تضمين التفكير الإبداعي في التقييم بالكليات الجامعية، وأستخدم في "دراسة التفكير الإبداعي كمؤشر لكفاءة المدرس الجامعي" وسيلتيي قياس هما:
الوسيلة الأولى: مقدار ونوعية الحلول التي يطرحها المحاضرون للمشاكل التي تنشأ في عمليات التدريس اليومية بالتعليم العالي، والوسيلة الثانية: تقييم الطلاب لكفاءة مدرسيهم، وتضمنت عينة البحث (58) محاضر جامعي.
وشمل المؤشر أي (القدرة على التفكير الإبداعي العام أربعة عناصر، عنصرين لفظيين وعنصرين رقميين) حيث طُلِب من المشاركين إبداء أكبر قدر من الاستجابات للموضوعات التي تُطرح عليهم، وتم استخدام معيارين لقياس كفاءة المدرس لكل مشارك في البحث هما كالآتي :
أ- معيار تقييم الطالب لأداء المدرس في التعليم العالي" هذه الأداة عبارة عن نموذج تقييم يتألف من ستة عناصر، هي:
- تنظيم وعرض نموذج المادة الدراسية.
- وضوح المحاضرات.
- الإبداع في استخدام وسائل الإيضاح السمعية والبصرية لشرح المواد الدراسية.
- استشارة حب الاستطلاع والتفكير المستقل.
- طريقة التعامل مع الطلاب داخل الصفوف.
- التقييم العام.
ب- معيار حل المشكلة الحياتية في مجال التدريس: هذا المعيار يصف نوع المشاكل التي تنشأ في عمليات التدريس بالتعليم العالي.
وتشير نتائج البحث إلى وجود علاقة قوية بين التفكير الإبداعي خارج وداخل الفصل، بمعنى آخر هناك علاقة قوية بين قدرة المحاضر على طرح أفكار تتعلق بأمور خارج الفصل وقدرته على إبتداع حلول لمشكلات تنشأ داخل الفصل، كما ترتبط جميع الحلول المقترحة للمشاكل المطروحة بنوعيتها، وكذلك تشير نتائج البحث، إلى ضرورة الاهتمام بتطوير مهارات وتدريب أساتذة التعليم العالي من خلال التركيز على النقاط الأساسية:
- اختيار المرشحين لحلقات تدريب المدرسين قبل وأثناء الخدمة من الذين يمتلكون مستويات عالية من القدرة الإبداعية.
- تعزيز قدرات التفكير الإبداعي لدى المدرسين (حيث يقترح البحث عقد ورش عمل قبل وأثناء الخدمة لتعزيز قدرات التفكير الإبداعي لدى المدرسين).
- كما يجب على المؤسسات التي تعمل في المجال تحسين سبل التدريس بالتعليم العالي .
وتهدف الدراسة إلى إثبات فرضية التفكير الإبداعي كمؤشر لكفاءة المدرسين بالتعليم الجامعي، بحكم أنه تم تعريفه كعملية إدراكية لحل المشكلات بطريقة أصيلة مما يؤدي إلى خلق منتجات أصلية (إبداع) Milgram,1989)) وقد يتم طرح المنتج بعدة صور أهمها: فكرة، حل لمشكلة، تحفة فنية، موسيقى، علم أو رياضيات أو قد يكون حلاً لمشكلة في تنشئة الأطفال أو العمل التجاري أو التدريس.
بحوث داعمة لأثر عمليات التفكير في التعليم الابتدائي و الأكاديمي:
لأهمية الموضوع نجد العديد من الدراسات الحديثة الجادة التي بحثت في مجال التفكير الإبداعي والذي هو أساس العمليات العليا في التفكير وحل المشكلات، فقد قدم كل من (Kaufman&baer,2005) بحث متكامل للمعارف المتراكمة حول موضوع الإبداع من خلال طرح إشكالية جدلية هل الإبداع ظاهرة عامة أم تختص بمجال معين، وحول هذه المسألة يرى أحد الباحثين المختصين بأن التفكير الإبداعي العام يشكل عنصراً حيوياً في الأداء الإبداعي في كل المجالات وتم ابتكار هيكل رباعي لنموذج الموهبة والإبداع (ويعد النموذج المطبق في الدراسة الأول من نوعه الذي يتناول العلاقة بين القدرات الإبداعية العامة والخاصة بمجالات معينة).
وتم بحث العلاقة بين القدرات الإبداعية العامة والقدرات الإبداعية في مجالات معينة كالقيادات الاجتماعية، والتفاعلات الأسرية حيث لوحظ وجود علاقة قوية بين التفكير الإبداعي العام والحل الإبداعي لمشكلات الحياة الحقيقة داخل الفصل بواسطة مدرسي الابتدائي، والجديد في الدراسة الأخيرة هي استكشاف العلاقة بين التفكير الإبداعي العام والحل الإبداعي للمشكلات الحياتية في مجال التدريس بالتعليم العالي.
أخيراً يتضح بأن الدراسة تبحث بشكل دقيق في العلاقة الوطيدة بين التفكير الإبداعي والأداء الفاعل للمدرسين في الجامعات لذلك توصي الدراسة بتضمين تقييم الطلاب لمدرسيهم في البحوث المستقبلية عناصر واضحة تعكس تقييم الطالب للقدرات الإبداعية للمدرسين، والتي تعد أكثر فاعلية في تحديد مدى كفاءة المدرس وبالمقابل توفر للجامعات حافزا لتخصيص المزيد من الوقت والجهد والمال لتعزيز قدرات التفكير الإبداعي لدى المدرسين في المراحل الجامعية، هذا ويمكن تطبيق نتائج البحث على المدرسين في جميع المراحل التعليمية.