اهتمت الكثير من الدوائر العلمية بمفهوم الإبداع لدى الأطفال من اجل مستقبل أفضل، وخلال العقود الماضية عقدت الكثير من المؤتمرات والدورات التدريبية لخلق مناخ يشجع الأبناء على الإبداع، وأصبح الآن تقام مدارس خاصة تهتم بتنمية العملية الإبداعية لدى الأطفال من خلال توفير بيئة مدرسية تطور العملية الإبداعية لدى أطفالها.
وهذا ما يجعلنا نناقش موضوع الإبداع من خلال طرح الموضوع بشكل جاد وعلمي لنساعد على تطور ونمو هذا المفهوم بقدر المستطاع من خلال البيئة الأسرية والمدرسية والمجتمعية.
وفى البداية نطرح سؤال : الإبداع .. ماذا يكون؟
هناك الكثير من التعريفات التي تناولت مفهوم الإبداع سوف نتناول بعضها هنا، فهناك من تناول الإبداع على أنه: الإبداع أو الابتكار "Creation" ، وهو إيجاد حل جديد وأصيل لمشكلة علمية أو عملية أو فنية أو اجتماعية، ويقصد بالحل الأصيل الحل الذي لم يسبق صاحبه فيه أحد.
ويمكن تعريف الإبداع بأنه أفكار جديدة ومفيدة ومتصلة بحل مشكلات معينة أو تجميع وإعادة تركيب الأنماط المعرفية في إشكال فريدة.
كما يتفق الكثيرون على أن الإبداع هو نوع من التفوق العقلي، ومنهم من عرف الإبداع على أنة إنتاج شيء جديد، أو هو قدرة عقلية مركبة من عدد من القدرات كالطلاقة والمرونة والأصالة والتأليف.
ونلاحظ أن الإبداع هو إبداع الفرد في إيجاد حل جديد أو غير تقليدي أو أصيل لمشكلة ما في مجال ما سواء العلمي أو الاجتماعي أو الفني.
أما الإبداع من الناحية اللغوية: فهو من مادة بدع أى أنشأه وبدأه.
وهناك فرق ما بين الإبداع والذكاء، فاختبارات الذكاء العادية تقيس القدرة على إيجاد إجابة صحيحة واحدة لكل سؤال، ولكن الإبداع هو القدرة على إيجاد إجابات جديدة وغير عادية للمشكلات المختلفة، ولقد فرق الكثير من المهتمين بأمور الذكاء والإبداع ما بين المفهومين بل توصلوا إلى أن الطفل المبدع ليس بالضرورة أن يكون طفلاً مرتفع الذكاء.
أيضا يختلف الإبداع عن الموهبة، فالموهبة كالرسم مثلا تعطى للرسم القدرة على التقنية لرسم لوحة جميلة ولكنها في نفس الوقت لا تعطيه الإمكانية لجعل اللوحة نادرة بما تحمله من إحساسات يشعر بها من يراها.
التمييز أيضا بين الإبداع والاستدلال فيقال إن الاستدلال هدفه الكشف عن أشياء أو علاقات خافية كانت موجودة من قبل، في حين أن الإبداع هدفه خلق أشياء أو علاقات جديدة لم تكن موجودة من قبل، كأن الاستدلال يقتصر على الكشف، بينما الإبداع يقتصر على صناعة الشيء.
كما أن هناك فارقاً بين الاستدلال والإبداع من حيث الطريق الذي يسلكه كل منهما، فالاستدلال يتبع طريقاً مستقيماً ذا معالم واضحة هي خطوات الاستدلال التي يتبناها من قبل، والذي يتجلى فيه خضوع التفكير للواقع، أما الإبداع ففيه يتحرر الفكر من قيود الماضي ولا يتقيد بالواقع.
وهذا ما يجعل الكثير من العقبات تقف أمام المبدعين، من روح العداء في الميدان العلمي وغيره من الميادين، واتهام البعض للمفكرين والفلاسفة بالجنون وينظرون إليهم على أنهم متمردين أو دعاة فوضى وفى ميادين الفن يعتبرون منحرفين أخلاقين.
الإبداع عند الأطفال:
تعد البيئة الأسرية أو الرحم النفسي والاجتماعي للطفل بمثابة الأنظمة الاجتماعية التي يتلقى الطفل من خلالها الخبرات مما ينعكس على تشكيل هويته الإبداعية بطريقة ما حسب الخبرات التي تلقاها من أساليب تربوية تعمل على نمو قدرات الطفل ومواهبه واستعداده لظهور الإبداع لديه.
فالطفل في البيئة الأسرية يتدرب على الأساليب والعمليات المعرفية الأولية وما يصاحب ذلك من جو انفعالي خاص حسب نمط البيئة الأسرية وما يسود فيها من حب ودفء وحنان أو سيطرة وخنوع ونقد وفقدان للأمان.
ونجد حينما تتوفر في المراحل الأولى من حياة الطفل أجواء أسرية صحية، ينتقل الطفل بسلام إلى دور أخطر وأعمق في تشكيل البناء المعرفي لديه، وهو دور المدرسة والخبرات التي يتعرض لها الطفل لما لها من أثر كبير في إبداع الطفل لما تقدمة المدرسة من منبهات بيئية تعكس خبرات جديدة وثرية في تشكيل وعي ووجدان الطفل من خلال المواد التي يتعلمها وطريقة تعلم هذه المواد، والتشجيع على التفكير الابتكاري والأصالة من خلال إتباع أساليب تعلم جديدة تعتمد على تنمية الإبداع من خلال وسائل تعليمية متنوعة من حيث أسلوب العرض والإلقاء والمناقشة وطرح الأسئلة والتفكير بشكل يساعد على إعمال العقل والحس الإبداعي لدى الأطفال.
ومن الصعب أن نوفر مناخ بيئي أسرى جيد ومناخ تعليمي بعيد عن النمطية والتراث القديم لما له من آثار سلبية مثل التلقين وحل المشكلات من خلال أطر مرجعية ثابتة والتفكير الأحادي وإغفال حرية التفكير والخروج عن ما هو مألوف.
وهذا بدوره يجعلنا ننظر إلى أهمية سمات الشخصية ومدى ارتباطها بالإبداع مثل:
معرفة الذات، وتأكيد الذات، والتعبير عن المشاعر والثقة بالنفس والمحتوى المعرفي من معتقدات وأفكار تغرس في الطفل من خلال التعليم، فهذا من شأنه توفير إطار اجتماعي وثقافي وتعليمي مناسب يساعد على خلق بيئة مناسبة يترعرع من خلالها الشخص المبدع، حيث أن البيئة الاجتماعية والثقافية والتعليمية وما تتيحه من فرص للتدريب وتنمية المهارات المختلفة والدفيء والتشجيع، تمثل اللبنة أو الخلية التي تنطلق منها عملية الإبداع لدى الفرد.
عوامل تنمية الإبداع في مرحلة الطفولة:
هناك العديد من العوامل تعمل جميعها على تنمية الإبداع لدى الأطفال:
- وهى تتعلق بالبيئة الأسرية من رعاية أسرية للأبناء والمتابعة الأسرية للأبناء بالمنزل والمدرسة.
- وهناك عوامل تتعلق بالمعلم في الفصل من خلال أسلوب التدريس الابتكارى الذي يساعد الطفل على الحرية وعدم التقيد بقواعد ثابتة مألوفة والتدريب على الخروج عن كل ما هو نمطي في التعامل مع الموضوعات المختلفة.
- وهناك أيضا عوامل تتعلق بإعداد المعلم وتدريبه.
- كذلك عوامل تتصل بمحتوى المنهج الدراسي نفسه من محتوى ومضمون وتناول المنهج المدرسي من حيث الحشو وإعطاء المعلومة دون أسلوب ابتكاري للوصول إلى استدلال يساعد على إعمال العقل.
- كما أن هناك بعض العوامل التي تتصل بالهيئة التعليمية أو الإدارة التعليمية داخل المدارس ونظام التعليم من خلال توفير بيئة مدرسية تهتم بالجوانب المختلفة لنمو شخصية الطفل واستقلاليته وتنمية ثقته بنفسه من خلال المبادرة وتحمل المسؤولية والتشجيع.
- أيضا هناك عوامل تتعلق بالبيئة الفيزيقية للمدرسة من خلال توفير مساحات مناسبة تتناسب فيها مساحة حجرة الدراسة مع عدد التلاميذ وعدم تكدس وازدحام التلاميذ داخل حجرة الدراسة.
- أهمية توفير مساحات للملاعب والاهتمام بالأنشطة الدراسية المختلفة التي تنمى مواهب التلاميذ وتساعد على الإبداع والتخيل مثل الاهتمام باللعب الحر والتدريب عليه، كذلك على الدراما الاجتماعية (السوسيودراما) وإعطاء الأطفال فرص لإطلاق عنانهم لنسج القصص والمواقف السلوكية المختلفة المتصلة بالتمثيل والمسرح، وخاصة لدى أطفال دور الحضانة.
وهكذا فإن البرامج والأنشطة التي تنمى الطلاقة والأصالة والتخيل والمرونة تعد من المهارات الإبداعية التي تنمى القدرات الإبداعية لدى أطفال الحضانة.
وأخيراً.. كلما اعتمدت الأسرة والمدرسة في أساليب تعاملها مع الأطفال على حب الاستطلاع والاكتشاف والمناقشة الجماعية والعصف الذهني، نمت لدى الأطفال الملكات والقدرات الإبداعية الخلاقة.